بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص375
كتاب الاطعمة والاشربة والكلام في أصول هذا الكتاب يتعلق بجملتين : الجملة الاولى : نذكر فيها المحرمات في حال الاختيار .
الجملة الثانية : نذكر فيها أحوالها في حال الاضطرار .
الجملة الاولى والاغذية الانسانية : نبات وحيوان .
فأما الحيوان الذي يغتذى به ، فمنه حلال في الشرع ، ومنه حرام ، وهذا منه بري ومنه بحري .
والمحرمة منها ما تكون محرمة لعينها ، ومنها ما تكون لسبب وارد عليها .
وكل هذه منها ما اتفقوا عليه ، ومنها ما اختلفوا فيه .
فأما المحرمة لسبب وارد عليها فهي بالجملة تسعة : الميتة ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، وكل ما نقصه شرط من شروط التذكية من الحيوان الذي التذكية شرط في أكله ، والجلالة ، والطعام الحلال يخالطه نجس .
فأما الميتة فاتفق العلماء على تحريم ميتة البر ، واختلفوا في ميتة البحر على ثلاث أقوال : فقال قوم : هي حلال بإطلاق ، وقال قوم : هي حرام بإطلاق ، وقال قوم : ما طفا من السمك حرام ، وما جزر عنه البحر فهو حلال .
وسبب اختلافهم : تعارض الآثار في هذا الباب ، ومعارضة عموم الكتاب لبعضها معارضة كلية وموافقته لبعضها موافقة جزئية ، ومعارضة بعضها لبعض معارضة جزئية .
فأما العموم فهو قوله تعالى :
( حرمت عليكم الميتة)
وأما الآثار المعارضة لهذا العموم معارضة كلية فحديثان الواحد متفق عليه ، والآخر مختلف فيه .
أما المتفق عليه فحديث جابر ، وفيه أن أصحاب رسول الله ( ص ) وجدوا حوتا يسمىالعنبر ، أو دابة قد جزر عنه البحر فأكلوا منه بضعة وعشرين يوما أو شهرا ، ثم قدموا على رسول الله ( ص ) فأخبروه فقال : هل معكم من لحمه شئ ؟ فأرسلوا منه إلى رسول الله ( ص ) فأكله وهذا إنما يعارض الكتاب معارضة كلية بمفهومه لا بلفظه .
وأما الحديث الثاني المختلف فيه ، فما رواه مالك عن أبي هريرة أنه سئل عن ماء البحر فقال : هو الطهور ماؤه الحل ميتته .
وأما الحديث الموافق للعموم موافقة جزئية فما روى إسماعيل بن أمية عن ابي الزبير عن جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما طفا فلا تأكلوه وهو حديث أضعف عندهم من حديث