بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص364
فيجب أن لا يراعي اعتقادهم في ذلك ، ولا يشترط أيضا أن يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ولا اعتقاد شريعتهم لانه لو اشترط ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه ، لكون اعتقاد شريعتهم في ذلك منسوخا ، واعتقاد شريعتنا لا يصح منهم ، وإنما هذا حكم خصهم الله تعالى به ، فذبائحهم والله أعلم جائزة لنا على الاطلاق وإلا ارتفع حكم آية التحليل جملة ، فتأمل هذا فإنه بين والله أعلم .
وأما المجوس فإن الجمهور على أنه لا تجوز ذبائحهم لانهم مشركون ، وتمسك قوم في إجازتها بعموم قوله عليه الصلاة والسلام : سنوا بهم سنة أهل الكتاب .
وأما الصابئون فالاختلاف فيهم من قبل اختلافهم في هل هم من أهل الكتاب أم ليسوا من أهل الكتاب وأما المرأة والصبي فإن الجمهور على أن ذبائحهم جائزة غير مكروهة ، وهو مذهب مالك ، وكره ذلك أبو المصعب .
والسبب في اختلافهم : نقصان المرأة والصبي ، وإنما لم يختلف الجمهور في المرأة لحديث معاذ بن سعيد أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى بسلع فأصيبت شاة فأدركتها فذكتها بحجر ، فسئل رسول الله ( ص ) عن ذلك فقال : لا بأس بها فكلوها وهو حديث صحيح .
وأما المجنون والسكران فإن مالكا لم يجز ذبيحتهما ، وأجاز ذلك الشافعي .
وسبب الخلاف : اشتراط النية في الذكاة ، فمن اشترط النية منع ذلك إلا يصح من المجنون ولا من السكران وبخاصة الملتخ .
وأما جواز تذكية السارق والغاصب ، فإن الجمهور على جواز ذلك ، ومنهم من منع ذلك ورأى أنها ميتة ، وبه قال داود وإسحاق بن راهويه .
وسبب اختلافهم : هل النهي يدل على فساد المنهي عنه أو لا يدل ؟ فمن قال يدل قال : السارق والغاصب منهي عن ذكاتها وتناولها وتملكها ، فإذا كان ذكاها فسدتالتذكية ، ومن قال لا يدل إلا إذا كان المنهي عنه شرطا من شروط ذلك الفعل قال : تذكيتهم جائزة لانه ليس صحة الملك شرطا من شروط التذكية .
وفي موطأ ابن وهب أنه سئل رسول الله ( ص ) عنها فلم ير بها بأسا وقد جاء إباحة ذلك مع الكراهية فيما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها ، فقال رسول الله ( ص ) : أطعموها الاسارى وهذا القدر كاف في أصول هذا الكتاب والله أعلم .