بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص354
واختلفوا إذا غلب على الظن أنها تهلك من ذلك بإصابة مقتل أو غيره ، فقال قوم : تعمل الذكاة فيها .
وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من قول الشافعي ، وهو قول الزهري وابن عباس ، وقال قوم : لا تعمل الذكاة فيها .
وعن مالك في ذلك الوجهان ، ولكن الاشهر أنها لا تعمل في الميؤوس منها .
وبعضهم تأول من المذهب أن الميؤوس منها على ضربين ميؤوسة مشكوك فيها وميؤوسة مقطوع بموتها وهي المنفوذة المقاتل على اختلاف بينهم أيضا في المقاتل قال : فأما الميؤوسة المشكوك فيها ففي المذهب فيها روايتان مشهورتان .
وأما المنفوذة المقاتل فلا خلاف في المذهب المنقول أن الذكاة لا تعمل فيها وإن كان يتخرج فيها الجواز على وجه ضعيف .
وسبب اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله تعالى :
( إلا ما ذكيتم)
هل هو استثناء متصل فيخرج من الجنس بعض ما يتناوله اللفظ وهو المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع على عادة الاستثناء المتصل ، أم هو استثناء منقطع لا تأثير له في الجملة المتقدمة ؟ إذ كان هذا أيضا شأن الاستثناء المنقطع في كلام العرب ، فمن قال إنه متصل قال : الذكاة تعمل في هذه الاصناف الخمسة .
وأما من قال الاستثناء منقطع فإنه قال : لا تعمل الذكاة فيها .
وقد احتج من قال إن الاستثناء متصل بإجماعهم على أن الذكاة تعمل في المرجو منها قال : فهذا يدل على أن الاستثناء له تأثير فيها فهو متصل .
وقد احتج أيضا من رأى أنه منقطع بأن التحريم لم يتعلق بأعيان هذه الاصناف الخمسة وهي حية وإنما يتعلق بها بعد الموت ، وإذا كان ذلك كذلك فالاستثناء منقطع ، وذلك أن معنى قوله تعالى :
( حرمت عليكم الميتة)
إنما هو لحم الميتة ، وكذلك لحم الموقوذة والمتردية والنطيحة وسائرها : أي لحم الميتة بهذه الاسباب سوى التي تموت من تلقاء نفسها ، وهي التي تسمى ميتة أكثر ذلك من كلام العرب أو بالحقيقة قالوا : فلما علم أن المقصود لم يكن تعليقالتحريم بأعيان هذه وهي حية ، وإنما علق بها بعد الموت ، لان لحم الحيوان محرم في حال الحياة بدليل اشتراط الذكاة فيها ، وبدليل قوله عليه الصلاة والسلام ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة وجب أن يكون قوله :
( إلا ما ذكيتم)
استثناء منقطعا ، لكن الحق في ذلك أن كيفما كان الامر في الاستثناء فواجب أن تكون الذكاة تعمل فيها ، وذلك أنه إن علقنا التحريم بهذه الاصناف في الآية بعد الموت وجب أن تدخل في التذكية من جهة ما هي حية الاصناف الخمسة وغيرها .
لانها ما دامت حية مساوية لغيرها في ذلك من الحيوان ، أعني أنها تقبل الحلية من قبل التذكية التي الموت منها هو سبب الحلية ، وإن قلنا إن الاستثناء متصل فلا خفاء بوجوب ذلك ، ويحتمل أن يقال : إن عموم التحر