بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص310
بفعله ، أو رأى أن ذلك كان خاصا ببني النضير لغزوهم قال بقول أبي بكر ، ومن اعتمد فعله عليه الصلاة والسلام ولم ير قول أحد ولا فعله حجة عليه قال بتحريق الشجر .
وإنما فرق مالك بين الحيوان والشجر لان قتل الحيوان مثلة وقد نهى عن المثلة ، ولم يأت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قتل حيوانا .
فهذا هو معرفة النكاية التي يجوز أن تبلغ من الكفار في نفوسهم وأموالهم .
فأما شرط الحرب فهو بلوغ الدعوة باتفاق ، أعني أنه لا يجوز حرابتهم حتى يكونوا قد بلغتهم الدعوة ، وذلك شئ مجتمع عليه من المسلمين لقوله تعالى :
( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)
وأما هل يجب تكرار الدعوة عند تكرار الحرب فإنهم اختلفوا في ذلك ، فمنهم من أوجبها ، ومنهم من استحبها ومنهم من لم يوجبها ولا استحبها .
والسبب في اختلافهم : معارضة القول للفعل ، وذلك أنه ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا بعث سرية قال لاميرها : إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ، ادعهم إلى الاسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرينوأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين ، فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الفئ والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وثبت من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يبيت العدو ويغير عليهم مع الغدوات فمن الناس – وهم الجمهور – من ذهب إلى أن فعله ناسخ لقوله وأن ذلك إنما كان في أول الاسلام قبل أن تنتشر الدعوة بدليل دعوتهم فيه إلى الهجرة .
ومن الناس من رجح القول على الفعل ، وذلك بأن حمل الفعل على الخصوص ، ومن استحسن الدعاء فهو وجه من الجمع
وأما معرفة العدد الذين لا يجوز الفرار عنهم فهم الضعف ، وذلك مجمع عليه لقوله تعالى :
( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)
الآية .
وذهب ابن الماجشون ورواه عن مالك أن الضعف إنما يعتبر في القوة لا في العدد ، وأنه يجوز أن يفر الواحد