بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص289
هو عبادة قال : يعاد ولا بد منه ، وبه قال مالك .
وأما اختلافهم في الجماعة يشتركون في قتل الصيد الواحد ، فسببه هل الجزاء موجبه هو التعدي فقط أو التعدي على جملة الصيد ؟ فمن قال التعدي فقط أوجب على كل واحد من الجماعة القاتلة للصيد جزاء ، ومن قال التعدي على جملة الصيد قال : عليهم جزاء واحد .
وهذه المسألة شبيهة بالقصاص فالنصاب في السرقة وفي القصاص في الاعضاء وفي الانفس ، وستأتي في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله .
وتفريق أبي حنيفة بين المحرمين وبين غير المحرمين القاتلين في الحرم على جهة التغليظ على المحرمين ، ومن أوجب على كل واحد من الجماعة جزاء فإنما نظر إلى سد الذرائع ، فإنه لو سقط عنهم الجزاء جملة لكان من أراد أن يصيد في الحرم صاد في جماعة ، وإذا قلنا إن الجزاء هو كفارة للاثم فيشبه أنه لا يتبعضإثم قتل الصيد بالاشتراك فيه ، فيجب أن لا يتبعض الجزاء فيجب على كل واحد كفارة .
وأما اختلافهم في هل يكون أحد الحكمين قاتل الصيد ، فالسبب فيمعارضة مفهوم الظاهر لمفهوم المعنى الاصلي في الشرع ، وذلك أنه لم يشترطوا في الحكمين إلا العدالة ، فيجب على ظاهر هذا أن يجوز الحكم ممن يوجد فيه هذا الشرط ، سواء أكان قاتل الصيد أو غير قاتل .
وأما مفهوم المعنى الاصلي في الشرع فهو أن المحكوم عليه لا يكون حاكما على نفسه .
وأما اختلافهم في الموضع ، فسببه الاطلاق أعني أنه لم يشترط فيه موضع ، فمن شبهه بالزكاة في أنه حق للمساكين فقال لا ينقل من موضعه .
وأما من رأى أن المقصود بذلك إنما هو الرفق بمساكين مكة قال : لا يطعم إلا مساكين مكة ، ومن اعتمد ظاهر الاطلاق قال : يطعم حيث شاء .
وأما اختلافهم في الحلال يقتل الصيد في الحرم هل عليه كفارة أم لا ؟ فسببه هل يقاس في الكفارا ت عند من يقول بالقياس ؟ وهل القياس أصل من أصول الشرع عند الذين يختلفون فيه ؟ فأهل الظاهر ينفون قياس قتل الصيد في الحرم على المحرم لمنعهم القياس في الشرع ، ويحق على أصل أبي حنيفة أن يمنعه لمنعه القياس في الكفارات ، ولا خلاف بينهم في تعلق الاسم به لقوله سبحانه وتعالى :
( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم )
وقول رسول الله ( ص ) إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض .
وأما اختلافهم فيمن قتله ثم أكله هل عليه جزاء واحد أم جزاءان ؟ فسببه هل أكله تعد ثان عليه سوى تعدي القتل أم لا ؟ وإن كان تعديا عليه فهل هو مساو للتعدي الاول أم لا ؟ وذلك أنهم اتفقوا على أنه إن أكل أثم ، ولما كان النظر في كفارة الجزاء يشتمل على أربعة أركان : معرفة الواجب في ذلك ، ومعرفة من تجب عليه ، ومعرفة الفعل الذي لاجله يجب ، ومعرفة محل الوجوب .
وكان قد تقدم