بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص252
المسجد ، وأن مباشرة النساء إنما حرمت على المعتكف ، إذا اعتكف في المسجد وإلا ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المرأة إنما تعتكف في مسجد بيتها .
وسبب اختلافهم في اشتراط المسجد ، أو ترك اشتراطه : هو الاحتمال الذي في قوله تعالى :
( ولا تباشر وهن وأنتم عاكفون في المساجد )
بين أن يكون له دليل خطاب .
أم لا يكون له ؟ فمن قال له دليل خطاب ، قال : لا اعتكاف إلا في مسجد ، وإن من شرط الاعتكاف ترك المباشرة ، ومن قال : ليس له دليل خطاب ، قال : المفهوم منه أن الاعتكاف جائز في غير المسجد ، وأنه لا يمنع المباشرة ، لان قائلا ، لو قال : لا تعط فلانا شيئا ، إذا كان داخلا في الدار ، لكن مفهوم دليل الخطاب يوجب أن تعطيه ، إذا كان خارج الدار ، ولكن هو قول شاذ .
والجمهور : على أن العكوف إنما أضيف إلى المساجد ، لانها من شرطه .
وأما سبب اختلافهم في تخصيص بعض المساجد ، أو تعميمها ، فمعارضة العموم للقياس المخصص له ، فمن رجح العموم قال : في كل مسجد على ظاهر الآية ، ومن انقدح له تخصيص بعض المساجد من ذلك العموم بقياس ، اشترط أن يكون مسجدا فيه جمعة لئلا ينقطع عمل المعتكف بالخروجإلى الجمعة ، أو مسجدا تشد إليه المطي ، مثل مسجد النبي ( ص ) الذي وقع فيه اعتكافه ، ولم يقس سائر المساجد عليه ، إذ كانت غير مساوية له في الحرمة .
وأما سبب اختلافهم في اعتكاف المرأة : فمعارضة القياس أيضا للاثر ، وذلك أنه ثبت أن حفصة ، وعائشة ، وزينب أزواج النبي ( ص ) ، استأذن رسول الله ( ص ) في الاعتكاف في المسجد ، فأذن لهن حين ضربن أخبيتهن فيه فكان هذا الاثر دليلا على جواز اعتكاف المرأة في المسجد .
وأما القياس المعارض لهذا ، فهو قياس الاعتكاف على الصلاة ، وذلك أنه لما كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد على ما جاء في الخبر ، وجب أن يكون الاعتكاف في بيتها أفضل ، قالوا : وإنما يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد مع زوجها فقط .
على نحو ما جاء في الاثر من اعتكاف أزواجه عليه الصلاة والسلام معه ، كما تسافر معه ، ولا تسافر مفردة ، وكأنه نحو من الجمع بين القياس ، والاثر .
وأما زمان الاعتكاف ، فليس لاكثره عندهم حد واجب ، وإن كان كلهم يختار العشر الاواخر من رمضان ، بل يجوز الدهر كله : إما مطلقا عند من لا يرى الصوم من شروطه ، وإما ما عدا الايام التي لا يجوز صومها عند من يرى الصوم من شروطه .
وأما أقله ، فإنهم اختلفوا فيه : وكذلك اختلفوا في الوقت الذي يدخل فيه المعتكف لاعتكافه ، وفي الوقت الذي يخرج فيه منه ، أما أقل زمان الاعتكاف ، فعند الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأكثر الفقهاء أنه لاحد له .
واختلف عن مالك في ذلك ، فقيل ثلاثة أيام ، وقيل : يوم ، وليلة .
وقال ابن القاسم عنه : أقله عشرة أيام .
وعند البغدادين من أصحابه أن