بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص232
أن الشمس لم تطلع وخرج أبو داود عن قيس بن طلق عن أبيه أنه عليه الصلاة والسلام قال : كلوا واشربوا ، ولا يهيدنكم الساطع المصعد ، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الاحمر .
قال أبو داود : هذا ما تفرد به أهل اليمامة وهذا شذوذ فإن قوله تعالى :
( حتى يتبين لكم الخيط الابيض)
نص في ذلك ، أو كالنص ، والذين رأوا أنه الفجر الابيض المستطير ، وهم الجمهور والمعتمد اختلفوا في الحد المحرم للاكل فقال قوم : هو طلوع الفجر نفسه وقال قوم : هو تبينه عند الناظر إليه ومن لم يتبينه ، فالاكل مباح له حتى يتبينه ، وإن كان قد طلع ، وفائدة الفرق أنه إذا انكشف أن ما ظن من أنه لم يطلع ، كان قد طلع فمن كان الحدعنده ، هو الطلوع نفسه ، أوجب عليه القضاء ، ومن قال : هو العلم الحاصل به لم يوجب عليه القضاء .
وسبب الاختلاف في ذلك : الاحتمال الذي في قوله تعالى :
( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر)
هل على الامساك بالتبين نفسه ، أو بالشئ المتبين ؟ لان العرب تتجوز ، فتستعمل لاحق الشئ بدل الشئ على وجه الاستعارة ، فكأنه قال تعالى :
( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود)
لانه إذا تبين في نفسه ، تبين لنا .
فإذا إضافة التبين لنا هي التي أوقعت الخلاف لانه قد يتبين في نفسه ، ويتميز ، ولا يتبين لنا ، وظاهر اللفظ يوجب تعلق الامساك بالعلم ، والقياس يوجب تعلقه بالطلوع نفسه أعني قياسا على الغروب ، وعلى سائر حدود الاوقات الشرعية كالزوال ، وغيره ، فإن الاعتبار في جميعها في الشرع ، هو بالامر نفسه لا بالعلم المتعلق به .
والمشهور عمالك ، وعليه الجمهور أن الاكل يجوزأن يتصل بالطلوع وقيل : بل يجب الامساك قبل الطلوع والحجة للقول الاول ما في كتاب البخاري أظنه في بعض رواياته قال النبي ( ص ) وكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، فإنه لا ينادي حتى يطلع الفجر وهو نص في موضع الخلاف ، أو كالنص ، والموافق لظاهر قوله تعالى :
( وكلوا واشربوا)
الآية .
ومن ذهب إلى أنه يجب الامساك قبل الفجر ، فجريا على الاحتياط ، وسدا للذريعة ، وهو أورع القولين والاول أقيس ، والله أعلم .
وأجمعوا على أنه يجب على الصائم الامساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب ، والجماع لقوله تعالى :
( فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر)
.
واختلفوا من ذلك في مسائل : منها مسكوت عنها ، ومنها منطوق بها .
أما المسكوت عنها : إحداها : فيما يرد الجو