بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص220
إنما ورد لتمييز الجنس ، أعني أهل الصدقات لا تشريكهم في الصدقة ، فالاول أظهر من جهة اللفظ ، وهذا أظهر من جهة المعنى .
ومن الحجة للشافعي ما رواه أبو داود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي ( ص ) أن يعطيه من الصدقة ، فقال له رسول الله ( ص ) : إن الله لم يرض بحكم نبي ، ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها ، فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك حقك .
وأما المسألة الثانية : فهل المؤلفة قلوبهم حقهم باق إلى اليوم ، أم لا ؟ فقال مالك : لا مؤلفة اليوم وقال الشافعي وأبو حنيفة : بل حق المؤلفة باق إلى اليوم ، إذا رأى الامام ذلك ، وهم الذين يتألفهم الامام على الاسلام .
وسبب اختلافهم : هل ذلك خاص بالنبي ( ص ) ، أو عام له ، ولسائر الامة ؟ والاظهر أنه عام ، وهل يجوز ذلك للامام في كل أحواله ، أو في حال دون حال ؟ أعني في حال الضعف ، لا في حال القوة ، ولذلك قال مالك : لا حاجة إلى المؤلفة الآن لقوة الاسلام ، وهذا كما قلنا التفات منه إلى المصالح .
الفصل الثاني : في الصفة التي تقتضي صرفها إليهم وأما صفاتهم التي يستوجبون بها الصدقة ، ويمنعون منها بأضدادها : فأحدها الفقر الذي هو ضد الغنى لقوله تعالى :
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين)
واختلفوا في الغني الذي تجوز له الصدقة من الذي لا تجوز ، وما مقدار الغنى المحرم للصدقة .
فأما الغني الذي لا تجوز له الصدقة فإن الجمهور على أنه لا تجوز الصدقة للاغنياء بأجمعهم إلا للخمس الذين نص عليهم النبي عليه الصلاة والسلام في قوله : لا تحل الصدقة لغني إلالخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل له جار مسكين ، فتصدق على المسكين ، فأهدى المسكين للغني .
وروي عن ابن القاسم أنه لا يجوز أخذ الصدقة لغني أصلا مجاهدا كان أو عاملا .
والذين أجازوها للعامل ، وإن كان غنيا ، أجازوها للقضاة ومن في معناهم ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين ومن لم يجز ذلك فقياس ذلك عنده هو أن لا تجوز لغني أصلا .
وسبب اختلافهم : هو هل العلة في إيجاب الصدقة للاصناف المذكورين هو الحاجة فقط ، أو الحاجة ، والمنفعة العامة ؟ فمن اعتبر ذلك بأهل الحاجة المنصوص عليهم في الآية قال : الحاجة فقط ، ومن قال : الحاجة ، والمنفعة العامة توجب أخذ الصدقة اعتبر المنفعة للعامل ، والحاجة بسائر الاصناف المنصوص عليهم .
وأما حد الغني الذي يمنع من الصدقة ، فذهب الشافعي إلى أن المانع من الصدقة ، هو أقل ما ينطلق عليه الاسم .
وذهب أبو حنيفة إلى أن الغني هو مالك النصاب ، لانهم الذين سماهم النبي