بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص185
أسقطت العبادة عن الميت ، سقط شرطها الذي هو الوضوء ، ولولا أن الغسل ورد في الاثار ، لما وجب غسله .
وظاهر حديث أم عطية الثابت أن الوضوء شرط في غسل الميت ، لان فيه أن رسول الله ( ص ) قال في غسل ابنته : ابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها وهذه الزيادة ثابتة خرجها البخاري ومسلم .
ولذلك يجب أن تعارض بالروايات التي فيها الغسل مطلقا لان المقيد يقضي على المطلق ، إذ فيه زيادة على ما يراه كثير من الناس ، ويشبه أيضا أن يكون من أسباب الخلاف في ذلك معارضة المطلق للمقيد ، وذلك أنه وردت آثار كثيرة فيها الامر بالغسل مطلقا من غير ذكر وضوء فيها ، فهؤلاء رجحوا الاطلاق على التقييد لمعارضة القياس له في هذا الموضع ، والشافعي جرى على الاصل من حمل المطلق على المقيد .
المسألة الثالثة : اختلفوا في التوقيت في الغسل ، فمنهم من أوجبه ومنهم من استحسنه ، واستحبه .
والذين أوجبوا التوقيت منهم من أوجب الوتر ، أي وتر كان ، وبه قال ابن سيرين ومنهم من أوجب الثلاثة فقط ، وهو أبو حنيفة ومنهم من حد أقل الوتر في ذلك فقال لا ينقص عن الثلاثة ، ولم يحد الاكثر ، وهو الشافعي ، ومنهم من حد الاكثر في ذلك ، فقال : لا يتجاوز به السبعة ، وهو أحمد بن حنبل ، وممن قال باستحباب الوتر ولم يحد فيه حدا : مالك بن أنس وأصحابه .
وسبب الخلاف : بين من شرط التوقيت ، ومن لم يشترطه ، بل استحبه معارضة القيا س للاثر ، وذلك أن ظاهر حديث أم عطية يقتضي التوقيت ، لان فيه : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن وفي بعض ر واياته : أو سبعا .
وأما قياس الميت على الحي في الطهارة ، فيقتضي أن لا توقيت فيها ، كما ليس في طهارة الحي توقيت .
فمن رجح الاثر على النظر ، قال بالتوقيت .
ومن رأى الجمع بين الاثر والنظر حمل التوقيت على الاستحباب .
وأما الذين اختلفوا في التوقيت ، فسبب اختلافهم اختلاف ألفاظ الروايات في ذلك عن أم عطية .
فأما الشافعي ، فإنه رأى أن لا ينقص عن ثلاثة ، لانه أقل وتر نطق به في حديث أم عطية ، ورأى أن ما فوق ذلك مباح ، لقوله عليه الصلاة والسلام : أو أكثر من ذلك إن رأيتن وأما أحمد فأخذ بأكثر وتر نطق به في بعض روايات الحديث ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام أو سبعا .
وأما أبو حنيفة ، فصار في قصره الوتر على الثلاث ، لما روي أن محمد بن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا يغسل بالسدر مرتين ، والثالثة بالماء والكافور ، وأيضا ، فإن الوتر الشرعي عنده إنما ينطلق على الثلاث فقط .
وكان مالك يستحب أن يغسل في الاولى بالماء القراح ، وفي الثانية بالسدر وفي الثالثة بالماء والكافور .
واختلفوا إذا خرج من بطنه حدث ، هل يعاد غسله أم لا ؟ فقيل : لا يعاد ، وبه قال مالك ، وقيل : يعاد والذين رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب به الاعادة إن تكرر خروج الحدث .
فقيل : يعاد الغسل عليه واحدة ، وبه قال