بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص170
واحتج هؤلاء أيضا لمذهبهم بالقياس الشبهي ، فقالوا : صلاة سنة تفعل في جماعة نهارا ، فوجب أن يجهر فيها أصله العيدان ، والاستسقاء ، وخير في ذلك كله الطبري ، وهي طريقة الجمع ، وقد قلنا إنها أولى من طريقة الترجيح إذا أمكنت ، ولا خلاف في هذا أعلمه بين الاصوليين .
المسألة الثالثة : واختلفوا في الوقت الذي تصلى فيه .
فقال الشافعي تصلى في جميع الاوقات المنهي عن الصلاة فيها ، وغير المنهي .
وقال أبو حنيفة : لا تصلى في الاوقات المنهي عن الصلاة فيها .
وأما مالك فروى عنه ابن وهب أنه قال : لا يصلى لكسوف الشمس إلا في الوقت الذي تجوز فيه النافلة ، وروى ابن القاسم أن سنتها أن تصلى ضحى إلى الزوال .
وسبب اختلافهم في هذه المسألة : اختلافهم في جنس الصلاة التي لا تصلى في الاوقات المنهي عنها .
فمن رأى أن تلك الاوقات تختص بجميع أجناس الصلاة لم يجز فيها صلاة كسوف ، ولا غيرها ، ومن رأى أن تلك الاحاديث تختص بالنوافل ، وكانت الصلاة عنده في الكسوف سنة ، أجاز ذلك ، ومن رأى أيضا أنها من النفل لم يجزها في أوقات النهي .
وأما رواية ابن القاسم عن مالك ، فليس لها وجه إلا تشبيهها بصلاة العيد .
المسألة الرابعة : واختلفوا أيضا هل من شروطها الخطبة بعد الصلاة ؟ فذهب الشافعي إلى أن ذلك من شرطها وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا خطبة في صلاة الكسوف .
والسبب في اختلافهم : اختلاف العلة التي من أجلها خطب رسول الله ( ص ) الناس لما انصرف من صلاة الكسوف على ما في حديث عائشة ، وذلك أنها روت : أنه لما انصرف من الصلاة ، وقد تجلت الشمس ، حمد الله وأثنى عليه .
ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته الحديث .
فزعم الشافعي أنه إنما خطب ، لان من سنة هذه الصلاة الخطبة ، كالحال في صلاة العيدين ، والاستسقاء .
وزعم بعض من قال بقول أولئك أن خطبة النبي عليه الصلاة والسلام إنما كانت يؤمئذ ، لان الناس زعموا أنالشمس إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه عليه السلام .
المسألة الخامسة : واختلفوا في كسوف القمر ، فذهب الشافعي إلى أنه يصلى له في جماعة ، وعلى نحو ما يصلى في كسوف الشمس ، وبه قال أحمد وداود وجماعة وذهب مالك ، وأبو حنيفة إلى أنه لا يصلى له في جماعة واستحبوا أن يصلي الناس له أفذاذا ركعتين كسائر الصلوات النافلة .
وسبب اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا رأيتموهما ، فادعوا الله ، وصلوا حتى يكشف ما بكم ، وتصدقوا خرجه البخاري ومسلم .
فمن فهم هاهنا من الامر بالصلاة فيهما معنى واحدا ، وهي الصفة التي فعلها في كسوف الشمس ، رأى الصلاة فيها في جماعة .
ومن فهم من ذلك معنى مختلفا ، لانه لم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه