بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص141
العلو جعلها كما يقولون – قاصرة : أي خاصة بذلك الحكم دون غيره ، لم يجز ذلك .
الباب الخامس من الجملة ثالثة : وهو القول في صلاة الخوف اختلف العلماء في جواز صلاة الخوف بعد النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي صفتها فأكثر العلماء على أن صلاة الخوف جائزة لعموم قوله تعالى :
( وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)
الاية .
ولما ثبت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام ، وعمل الائمة والخلفاء بعده بذلك .
وشذ أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة فقال : لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي ( ص ) بإمام واحد ، وإنما تصلى بعده بإمامين ، يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين ، ثم يصلي الاخر بطائفة أخرى ، وهي الحارسة ركعتين أيضا ، وتحرس التي قد صلت .
والسبب في اختلافهم : هل صلاة النبي ( ص ) بأصحابه صلاة الخوف هي عبادة ، أو هي لمكان فضل النبي ( ص ) ؟ فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام ، ومن رآها لمكان فضل النبي عليه الصلاة والسلام رآها خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام ، وإلا فقد كان يمكننا أن ينقسم الناس على إمامين ، وإنما كان ضرورة اجتماعهم على إمام واحد خاصة من خواص النبي عليه الصلاة والسلام ، وتأيد عنده هذا التأويل بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى :
( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة)
الاية ومفهوم الخطاب أنه إذا لم يكن فيهم ، فالحكم غير هذا الحكم .
وقد ذهبت طائفة من فقهاء الشام إلى أن صلاة الخوف تؤخر عن وقت الخوف إلى وقت الامن ، كما فعل رسول الله ( ص ) يوم الخندق ، والجمهور على أن ذلك الفعل يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف ، وأنه منسوخ بها .
وأما صفة صلاة الخوف ، فإن العلماء اختلفوا فيها اختلافا كثيرا ، لاختلافالاثار في هذا الباب : أعني المنقولة من فعله ( ص ) في صلاة الخوف ، والمشهور من ذلك سبع صفات ، فمن ذلك ما أخرجه مالك ومسلم من حديث صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله ( ص ) يوم ذات الرقاع صلاة الخوف : أن طائفة صفت معه ، وصفت طائفة وجاه العدو ، فصلى بالتي معه ركعة ، ثم ثبت قائما ، وأتموا لانفسهم ، ثم انصرفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الاخرى ، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاتهم ، ثم ثبت هم ، وبهذا الحديث قال الشافعي .
وروى مالك هذا الحديث بعينه عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات موقوفا كمثل حديث يزيد بن رومان أنه لما قضى الركعة بالطائفة الثانية سلم ، ولم ينتظرهم حتى يفرغوا من الصلاة ، واختار مالك هذه الصفة .
فالشافعي آثر المسند على الموقوف ، ومالك آثر الموقوف ، لانه أشبه بالاصول