بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص104
هذا الاختلاف : تعارض الاثار في هذا الباب ، ومعارضة ظاهر الكتاب للاثر : أما الاثار المتعارضة في ذلك ، فأحدها : حديث أبي هريرة الثابت : أن رجلا دخل المسجد ، فصلى ثم جاء فسلم على النبي ( ص ) ، فرد عليه النبي ( ص ) السلام وقال : ارجع فصل ، فإنك لم تصل ، فصلى ثم ، جاء فسلم فأمره بالرجوع ، فعل ذلك ثلاث مرات ، فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره ، فقال عليه الصلاة والسلام : إذا قمت إلى الصلاة ، فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة ، فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
وأما المعارض لهذا ، فحديثان ثابتان متفق عليهما : أحدهما حديث عبادة بن الصامت أنه عليه الصلاة والسلام قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وحديث أبي هريرة أيضا أن رسول الله ( ص ) قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن ، فهي خداج ، فهي خداج فهي خداج ثلاثا .
وحديث أبي هريرة المتقدم ظاهره أنه يجزئ من القراءة في الصلاة ما تيسر من القرآن ، وحديث عبادة ، وحديث أبي هريرة الثاني يقتضيان أن أم القرآن شرط في الصلاة ، وظاهر قوله تعالى :
( فاقرؤوا ما تيسر منه )
يعضد حديث أبي هريرة المتقدم .
والعلماء المختلفونفي هذه المسألة ، إما أن يكونوا ذهبوا في تأويل هذه الاحاديث مذهب الجمع ، وإما أن يكونوا ذهبوا مذهب الترجيح ، وعلى كلا القولين يتصور هذا المعنى .
وذلك أنه من ذهب مذهب من أوجب قراءة ما تيسر من القرآن له أن يقول : هذا أرجح ، لان ظاهر الكتاب يوافقه ، وله أن يقول على طريق الجمع إنه يمكن أن يكون حديث عبادة المقصود به نفي الكمال ، لانفي الاجزاء ، وحديث أبي هريرة المقصود منه الاعلام بالمجزئ من القراءة ، إذا كان المقصود منه تعليم فرائض الصلاة ، ولاولئك أيضا أن يذهبوا هذين المذهبين بأن يقولوا : هذه الاحاديث أوضح ، لانها أكثر ، وأيضا ، فإن حديث أبي هريرة المشهور يعضده : وهو الحديث الذي فيه يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : نصفها لي ، ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، يقول العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله : حمدني عبدي .
الحديث .
ولهم أن يقولوا أيضا إن قوله عليه الصلاة والسلام : ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن مبهم ، والاحاديث الاخر معينة ، والمعين يقضي على المبهم ، وهذا فيه عسر ، فإن معنى حرف ما هاهنا إنما هو معنى أي شئ تيسر ، وإنما يسوغ هذا إن دلت ما في كلام العرب على ما تدل عليه لام العهد ، فكان يكون تقدير الكلام : اقرأ الذي تيسر معك من القرآن ، ويكون المفهوم منه أم الكتاب ، إذا كانت الالف واللام في