بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص80
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الظهر بالهاجرة وفي حديث خباب أنهم شكوا حر الرمضاء ، فلم يشكهم ، خرجه مسلم ، قال زهير راوي الحديث قلت لابي إسحاق – شيخه – أفي الظهر ؟ قال : نعم ، قلت : أفي تعجيلها ؟ قال نعم .
فرجح قوم حديث الابراد ، إذ هو نص ، وتأولوا هذه الاحاديث إذ ليست بنص ، وقوم رجحوا هذه الاحاديث لعموم ما روي من قوله عليه الصلاة والسلام : وقد سئل : أي الاعمال أفضل ؟ قال : الصلاة لاول ميقاتها والحديث متفق عليه ، وهذه الزيادة فيه ، أعني لاول ميقاتها مختلف فيها .
المسألة الثانية : اختلفوا من صلاة العصر في موضعين : أحدهما : في اشتراك أول وقتها مع آخر وقت صلاة الظهر .
والثاني : في آخر وقتها ، فأما اختلافهم في الاشتراك فإنه اتفق مالك والشافعي ، وداود ، وجماعة على أن أول وقت العصر هو بعينه آخر وقت الظهر وذلك إذا صار ظل كل شئ مثله ، إلا أن مالكا يرى أن آخر وقت الظهر ، وأول وقت العصر ، هو وقت ركعات .
وأما الشافعي وأبو ثور وداود ، فآخر وقت الظهر عندهم ، هو الان الذي هو أول وقت العصر ، وهو زمان غير منقسم .
وقال أبو حنيفة – كما قلنا – أول وقت العصر أن يصير ظل كل شئ مثليه .
وقد تقدم سبب اختلاف أبي حنيفة معهم في ذلك .
وأما سبب اختلاف مالك مع الشافعي ، ومن قال بقوله في هذه فمعارضة حديث جبريل في هذا المعنى لحديث عبد الله بن عمر : وذلك أنه جاء في إمامة جبريل أنه صلى بالنبي عليه الصلاة والسلام الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الاول .
وفي حديث ابن عمر أنه قال عليه الصلاة والسلام : وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر خرجه مسلم .
فمن رجح حديث جبريل ، جعل الوقت مشتركا ، ومن رجح حديث عبد الله ، لم يجعل بينهما اشتراكا ، وحديث جبريل أمكن أن يصرف إلى حديث عبد الله من حديث عبد الله إلى حديث جبريل ، لانه يحتمل أن يكون الراوي تجوز في ذلك لقرب ما بين الوقتين .
وحديث إمامة جبريل صححه الترمذي وحديث ابن عمر خرجه مسلم .
وأما اختلافهم في آخر وقت العصر ، فعن مالك في ذلك روايتان : إحداهما : أن آخر وقتها أن يصير ظل كل شئ مثليه ، وبه قال الشافعي .
والثانية : أن آخر وقتها ما لم تصفر الشمس ، وهذا قول أحمد بن حنبل وقال أهل الظاهر : آخر وقتهاقبل غروب الشمس بركعة .
والسبب في اختلافهم : أن في ذلك ثلاثة أحاديث متعارضة الظاهر .
أحدها : حديث عبد الله بن عمر خرجه مسلم وفيه : فإذا صليتم العصر ، فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس وفي بعض رواياته : وقت العصر ما لم تصفر الشمس .
والثاني : حديث ابن عباس في إمامة جبريل وفيه : أنه صلى به العصر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شئ مثليه .
والثالث حديث أبي هريرة المشهور من أدرك ركعة العصر قبل أن تغرب لاشمس ، فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك