بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص74
بالعدد على هذه المحال التي ورد العدد فيها .
وأما من رجح الظاهر على المفهوم ، فإنه عدى ذلك إلى سائر النجاسات .
وأما حجة أبي حنيفة في الثلاثة ، فقوله عليه الصلاة والسلام : إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فليغسل يده ثلاث قبل أن يدخلها في إنائه
، فأكثرها محمولة عند الفقهاء على الندب ، وهي معلومة من السنة ، كالبعد في المذهب إذا أراد الحاجة ، وترك الكلام عليها ، والنهي عن الاستنجاء باليمين ، وألا يمس ذكره بيمينه ، وغير ذلك مما ورد في الاثار ، وإنما اختلفوا من ذلك في مسألة واحدة مشهورة ، وهي استقبال القبلة للغائط والبول ، واستدبارها ، فإن للعلماء فيها ثلاثة أقوال : إنه لا يجوز أن تستقبل القبلة لغائط ، ولا بول أصلا ، ولا في موضع من المواضع وقول : إن ذلك يجوز بإطلاق .
وقول إنه يجوز في المباني ، والمدن ، ولا يجوز ذلك في الصحراء ، وفي غير المباني والمدن .
والسبب في اختلافهم هذا : حديثان متعارضان ثابتان : أحدهما : حديث أبي أيوب الانصاري أنه قال عليه الصلاة والسلام : إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا ، أو غربوا .
الحديث الثاني حديث عبد الله بن عمر أنه قال ارتقيت على ظهر بيت أختي حفصة ، فرأيت رسول الله ( ص ) قاعدا لبيتين لحاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر القبلة .
فذهب الناس في هذين الحديثين ثلاثة مذاهب .
أحدها : مذهب الجمع .
والثاني : مذهب الترجيح .
والثالث : مذهب الرجوع إلى البراءة الاصلية إذا وقع التعارض ، وأعني بالبراءة الاصلية عدم الحكم .
فمن ذهب مذهب الجمع حمل حديث أبي أيوب الانصاري على الصحارى ، وحيث لا سترة ، وحمل حديث ابن عمر على السترة ، وهو مذهب مالك .
ومن ذهب مذهب الترجيح ، رجح حديث أبي أيوب ، لانه إذا تعارض حديثان : أحدهما فيه شرع موضوع ، والاخر موافق للاصل الذي هو عدم الحكم ، ولم يعلم المتقدم منهما من المتأخر ، وجب أن يصار إلى الحديث المثبت للشرع لانه وقد وجب العمل بنقله من طريق العدول ، وتركه الذي ورد أيضا من طريق العدول ، يمكن أن يكون ذلك قبل شرع ذلك الحكم ، ويمكن أن يكون بعده ، فلم يجز أن نترك شرعا وجبالعمل به بظن من لم نؤمر أن نوجب النسخ به ، إلا لو نقل أنه كان بعده فإن الظنون التي تستند إليها الاحكام محدودة بالشرع : أعني التي توجب رفعها ، أو إيجابها ، وليست هي أي ظن اتفق ، ولذلك يقولون إن العمل ما لم يجب بالظن ، وإنما وجب بالاصل المقطوع به ، يريدون بذلك الشرع المقطوع به الذي أوجب العمل بذلك النوع من الظن ، وهذه الطريقة التي قلنا ها هي طريقة أبي محمد بن حزم الاندلسي ، وهي طريقة جيدة مبنية على أصول أهل الكلام الفقهي ، وهو راجع إلى أنه لا يرفع بالشك ما ثبت بالدليل الشرعي .
وأما من ذهب مذهب الرجوع إلى الاصل عند التعارض ، فهو مبني على أن الشك يسقط الحكم ،