بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص70
عنه ، وحددوه بقدر الدرهم البغلي ، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وشذ محمد بن الحسن فقال : إن كانت النجاسة ربع الثوب فما دونه ، جازت به الصلاة .
وقال فريق ثالث : قليل النجاسات وكثيرها سواء إلا الدم على ما تقدم ، وهو مذهب مالك وعنه في دم الحيض روايتان ، والاشهر مساواته لسائر الدماء .
وسبب اختلافهم : اختلافهم في قياس النجاسة على الرخصة الواردة في الاستجمار ، للعلم بأن النجاسة هناك باقية ، فمن أجاز القياس على ذلك استجاز قليل النجاسة ، ولذلك حدده بالدرهم قياسا على قدر المخرج ، ومن رأى أن تلك رخصة ، والرخص لا يقاس عليها منع ذلك .
وأما سبب استثناء مالك من ذلك الدماء فقد تقدم .
وتفصيل مذهب أبي حنيفة أن النجاسات عنده تنقسم إلى مغلظة ، ومخففة ، وأن المغلظة هي التي يعفى منها عن قدر الدرهم ، والمخففة هي التي يعفى منها عن ربع الثوب والمخففة عندهم ( هي ) مثل أرواث الدواب ، وما لا تنفك منه الطرق غالبا .
وتقسيمهم إياها إلى مغلظة ، ومخففة حسن جدا المسألة السابعة : اختلفوا في المني هل هو نجس أم لا ؟ ، فذهبت طائفة منهم مالك وأبو حنيفة إلى أنه نجس وذهبت طائفة إلى أنه طاهر ، وبهذا قال الشافعي وأحمد وداود .
وسبب اختلافهم فيه شيئان : أحدهما : اضطراب الرواية في حديث عائشة وذلك أن في بعضها : كنتأغسل ثوب رسول الله ( ص ) من المني فيخرج إلى الصلاة ، وإن فيه لبقع الماء وفي بعضها : كنت أفركه من ثوب رسول الله ( ص ) وفي بعضها فيصلي فيه خرج هذه الزيادة مسلم .
والسبب الثاني : تردد المني بين أن يشبه بالاحداث الخارجة من البدن ، وبين أن يشبه بخروج الفضلات الطاهرة كاللبن وغيره ، فمن جمع الاحاديث كلها بأن حمل الغسل على باب النظافة ، واستدل من الفرك على الطهارة على أصله في أن الفرك لا يطهر نجاسة ، وقاسه على اللبن وغيره من الفضلات الشريفة ، لم يره نجسا ، ومن رجح حديث الغسل على الفرك ، وفهم منه النجاسة ، وكان بالاحداث عنده أشبه منه مما ليس بحدث قال : إنه نجس ، وكذلك أيضا من اعتقد أن النجاسة تزول بالفرك ، قال : الفرك يدل على نجاسه ، كما يدل الغسل ، وهو مذهب أبي حنيفة .
وعلى هذا ، فلا حجة لاولئك في قولها : فيصلي فيه ، بل فيه حجة لابي حنيفة في أن النجاسة تزال بغير الماء ، وهو خلاف قول المالكية .
وأما المحال التي تزال عنها النجاسات فثلاثة ، ولا خلاف في ذلك : أحدها : الابدان ، ثم الثياب ، ثم المساجد ، ومواضع الصلاة ، وإنما اتفق العلماء على هذه الثلاثة لانها منطوق بها في الكتاب والسنة .
أما الثياب ففي قوله تعالى وثيابك فطهر على مذهب من حملها