بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص51
معنى الاغتسال هو الدليل عليه ، لكن هذا يعارضه ظهور عدم الحذف في الاية ، فإن الحذف مجاز ، وحمل الكلام على الحقيقة أظهر من حمله على المجاز ، وكذلك فرض المجتهد هاهنا إذا انتهى بنظره إلى مثل هذا الموضع أن يوازن بين الظاهرين ، فما ترجح عنده منهما على صاحبه عمل عليه ، وأعني بالظاهرين أن يقايس بين ظهور لفظ فإذا تطهرن في الاغتسال بالماء وظهور عدم الحذف في الاية إن أحب أن يحمل لفظ يطهرن على ظاهره من النقاء ، فأي الظاهرين كان عنده أرجح عمل عليه أعني : إما أن لا يقدر في الاية حذفا ويحمل لفظ فإذا تطهرن على الغسل بالماء ، أو يقايس بين ظهور لفظ فإذا تطهرن في الاغتسال ، وظهور لفظ يطهرن في النقاء .
فأي كان عنده أظهر أيضا صرف تأويل اللفظ الثاني له ، وعمل على أنهما يدلان في الاية على معنى واحد أعني : إما على معنى النقاء ، وإما على معنى الاغتسال بالماء وليس في طباع النظر الفقهي أن ينتهي في هذه الاشياء إلى أكثر من هذا ، فتأمله .
وفي مثل هذه الحال يسوغ أن يقال : كل مجتهد مصيب .
وأما اعتبار أبي حنيفة أكثر الحيض في هذه المسألة فضعيف .
المسألة الثالثة : اختلف الفقهاء في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : يستغفر الله ولا شئ عليه .
وقال أحمد بن حنبل : يتصدق بدينار ، أو بنصف دينار ، وقالت فرقة من أهل الحديث : إن وطئ في الدم فعليه دينار ، وإن وطئ في انقطاع الدم فنصف دينا .
وسبب اختلافهم في ذلك : اختلافهم في صحة الاحاديث الواردة في ذلك ، أو وهيها ، وذلك أنه روي عن ابن عباس عن النبي ( ص ) في الذي يأتي امرأته وهي حائض : أنه يتصدق بدينار وروي عنه : بنصف دينار وكذلك روي أيضا في حديث ابن عباس هذا أنه إن وطئ في الدم فعليه دينار ، وإن وطئ في انقطاع الدم فنصف دينار .
وروي في هذا الحديث يتصدق بخمسي دينار وبه قال الاوزاعي ، فمن صح عنده شئ من هذه الاحاديث صار إلى العمل بها .
ومن لم يصح عنده شئ منها – وهم الجمهور – عمل على الاصل الذي هو سقوط الحكم حتى يثبت بدليل .
المسألة الرابعة : اختلف العلماء فالمستحاضة ، فقوم أوجبوا عليها طهرا واحدا فقط ، وذلك عندما ترى أنه قد انقضت حيضتها بإحدى تلك العلامات التي تقدمت علىحسب مذهب هؤلاء في تلك العلامات وهؤلاء الذين أوجبوا عليها طهرا واحدا انقسموا قسمين : فقوم أوجبوا عليها أن تتوضأ لكل صلاة ، وقوم استحبوا ذلك لها ولم يوجبوه عليها ، والذين أوجبوا عليها طهرا واحدا فقط هم : مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم