بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص42
قال القاضي رضي الله عنه : ومتى قلت ثابت ، فإنما أعني به ما أخرجه البخاري أو مسلم ، أو ما اجتمعا عليه .
أحدهما : حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : إذا قعد بين شعبها الاربع ، وألزق الختان بالختان ، فقد وجب الغسل .
والحديث الثاني : حديث عثمان أنه سئل فقيل له : أرأيت الرجل إذا جامع أهله ولم يمن ؟ قال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة سمعته من رسول الله ( ص ) .
فذهب العلماء في هذين الحديثين مذهبين : أحدهما : مذهب النسخ .
والثاني : مذهب الرجوع إلى ما عليه الاتفاق عند التعارض الذي لا يمكن الجمع فيه ، ولا الترجيح ، فالجمهور رأوا أن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عثمان ، ومن الحجة لهم على ذلك ما روى عن أبي بن كعب أنه قال : إن رسول الله ( ص ) إنما جعل ذلك رخصة في أول الاسلام ، ثم أمر بالغسل خرجه أبو داود .
وأما من رأى أن التعارض بين هذين الحديثين هو مما لا يمكن الجمع فيه بينهما ، ولا الترجيح ، فوجب الرجوع عنده إلى ما عليه الاتفاق ، وهو وجوب الماء من الماء .
وقد رجح الجمهور حديث أبي هريرة من جهة القياس ، قالوا : وذلك أنه لما وقع الاجماع على أن مجاورة الختانين توجب الحد ، وجب أن يكون هو الموجب للغسل ، وحكوا أن هذا القياس مأخوذ عن الخلفاء الاربعة ورجح الجمهور ذلك أيضا من حديث عائشة لاخبارها ذلك عن رسول الله ( ص ) ، خرجه مسلم .
المسألة الثانية : اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا للطهر فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك وذهب الشافعي إلى أن نفس خروجه هو الموجب للطهر سواء أخرج بلذة ، أو بغير لذة .
وسبب اختلافهم في ذلك : هو شيئان : أحدهما : هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنب على الجهة الغير المعتادة أم ليس ينطلق عليه ؟ فمن رأى أنه إنما ينطلق على الذي أجنب على طريق العادة لم يوجب الطهر في خروجه من غير لذة ، ومن رأى أنه ينطلق على خروج المني كيفما خرج أوجب منه الطهر ، وإن لم يخرج من لذة .
والسبب الثاني : تشبيه خروجه بغير لذة بدم الاستحاضة ، واختلافهم في خروج الدم على جهة الاستحاضة هل يوجب طهرا ، أم ليس يوجبه ؟ فسنذكره في با ب الحيض وإن كان من هذا الباب ، وفي المذهب في هذا الباب فرع ، وهو إذا انتقل من أصل مجاريه بلذة ، ثم خرج في وقت آخر بغير لذة ، مثل أن يخرج من المجامع بعد أن يتطهر ، هذا النوع من الخروج صحبته اللذة في بعض نقلته ، ولم تصحبه في بعض ، فمن غلب حال اللذة قال : يجب الطهر ، ومن غلبحال عدم اللذة قال : لا يجب عليه الطهر .
الباب الثالث : في أحكام هذين الحدثين أعني الجنابة والحيض أما أحكام الحدث الذي هو الجنابة ففيه ثلاث مسائل :