بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص38
لمكان عدم مناسبته وجوب الطهارة لارادة النوم ، أعني المناسبة الشرعية ، وقد احتجوا أيضا لذلك بأحاديث أثبتها حديث ابن عباس : أن رسول الله ( ص ) خرج من الخلاء ، فأتي بطعام ، فقالوا : ألا نأتيك بطهر ؟ فقال : أأصلي فأتوضأ ؟ وفي بعض رواياته : فقيل له : ألا تتوضأ ؟ فقال : ما أردت الصلاة ، فأتوضأ .
والاستدلال به ضعيف ، فإنه من باب مفهوم الخطاب من أضعف أنواعه ، وقد احتجوا بحديث عائشة : أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام وهو جنب لا يمس الماء إلا أنه حديث ضعيف .
وكذلك اختلفوا في وجوب الوضوء على الجنب الذي يريد أن يأكل أو يشرب ، وعلى الذي يريد أن يعاود أهله ، فقال الجمهور في هذا كله بإسقاط الوجوب لعدم مناسبة الطهارة لهذه الاشياء ، وذلك أن الطهارة إنما فرضت في الشرع لاحوال التعظيم كالصلاة .
وأيضا لمكان تعارض الاثار في ذلك ، وذلك أنه روي عنه عليه الصلاة والسلام : أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعاود أهله أن يتوضأ وروي عنه : أنه كان يجامع ، ثم يعاود ، ولا يتوضأ وكذلك روي عنه منع الاكل ، والشرب للجنب حتى يتوضأ .
وروي عنه إباحة ذلك .
المسألة الثالثة : ذهب مالك والشافعي إلى اشتراط الوضوء في الطواف وذهب أبو حنيفة إلى إسقاطه .
وسبب اختلافهم : تردد الطواف بين أن يلحق حكمه بحكم الصلاة ، أو لا يلحق ، وذلك أنه ثبت : أن رسول الله ( ص ) منع الحائض الطواف ، كما منعها الصلاة فأشبه الصلاة من هذه الجهة .
وقد جاء في بعض الاثار تسمية الطواف صلاة وحجة أبي حنيفة أنه ليس كل شئ منعه الحيض ، فالطهارة شرط في فعله إذا ارتفع الحيض كالصوم عند الجمهور .
المسألة الرابعة : ذهب الجمهور إلى أنه يجوز لغير المتوضئ أن يقرأ القرآن ويذكر الله وقال قوم : لا يجوز ذلك له إلا أن يتوضأ .
وسبب الخلاف : حديثان متعارضان ثابتان .
أحدهما : حديث أبي جهم قال : أقبل رسول الله ( ص ) من نحو بئر جمل ، فلقيه رجل ، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار ، فمسح بوجهه ويديه ، ثم إنه رد عليه الصلاة والسلام السلام .
والحديث الثاني : حديث علي : أن رسول الله ( ص ) كان لا يحجبه عنقراءة القرآن شئ إلا الجنابة فصار الجمهور إلى أن الحديث الثاني ناسخ للاول ، وصار من أوجب الوضوء لذكر الله إلى ترجيح الحديث الاول .