بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص19
من أمر الشرع أن له تأثيرا في التخفيف .
وقد ذهب قوم إلى أن التسمية من فروض الوضوء واحتجوا لذلك بالحديث المرفوع ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : لا وضوء لمن لم يسم الله وهذا الحديث لم يصح عند أهل النقل ، وقد حمله بعضهم على أن المراد به النية ، وبعضهم حمله على الندب – فيما أحسب .
فهذه مشهورات المسائل التي تجري من هذا الباب مجرى الاصول ، وهي كما قلنا متعلقة إما بصفات أفعال هذه الطهارة ، وإما بتحديد مواضعها ، وإما بتعريف شروطها ، وأركانها وسائر ما ذكر .
ومما يتعلق بهذا الباب مسح الخفين إذ كان من أفعال الوضوء .
بالنظر في جوازه ، وفي تحديد محله ، وفي تعيين محله ، وفي صفته : أعني صفة المحل ، وفي توقيته ، وفي شروطه وفي نواقضه : المسألة الاولى : فأما الجواز ففيه ثلاثة أقوال : القول المشهور : أنه جائز علىالاطلاق ، وبه قال جمهور فقهاء الامصار .
والقول الثاني : جوازه في السفر دون الحضر .
والقول الثالث : منع جوازه بإطلاق ، وهو أشدها ، والاقاويل الثلاثة مروية عن الصدر الاول ، وعن مالك .
والسبب في اختلافهم : ما يظن من معارضة آية الوضوء الوارد فيها الامر بغسل الارجل للاثار التي وردت في المسح مع تأخر آية الوضوء .
وهذا الخلاف كان بين الصحابة في الصدر الاول ، فكان منهم من يرى أن آية الوضوء ناسخة لتلك الاثار ، وهو مذهب ابن عباس .
واحتج القائلون بجوازه بما رواه مسلم أنه كان يعجبهم حديث جرير ، وذلك أنه روى : أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على الخفين فقيل له : إنما كان ذلك قبل نزول المائدة ، فقال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة .
وقال المتأخرون القائلون بجوازه : ليس بين الاية والاثار تعارض ، لان الامر بالغسل إنما هو متوجه إلى من لا خف له ، والرخصة إنما هي للابس الخف .
وقيل : إن تأويل قراءة الارجل بالخفض هو المسح على الخفين .
وأما من فرق بين السفر والحضر ، فلان أكثر الاثار الصحاح الواردة في مسحه عليه الصلاة والسلام إنما كانت في السفر ، مع أن السفر مشعر بالرخصة والتخفيف ، والمسح على الخفين هو من باب التخفيف ، فإن نزعه مما يشق على المسافر .
المسألة الثانية : وأما تحديد المحل فاختلف فيه أيضا فقهاء الامصار .
فقال قوم : إن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف ، وأن مسح الباطن – أعني أسفل الخف – مستحب ، ومالك أحد من رأى هذا ، والشافعي .
ومنهم من أوجب مسظهورهما ، وبطونهما وهو مذهب ابن نافع من أصحاب مالك ، ومنهم من أوجب مسح الظهور فقط ، ولم يستحب مسح البطون ، وهو مذهب أبي حنيفة وداود وسفيان وجماعة ، وشذ أشهب فقال : إن