بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص11
الباب الثاني وأما معرفة فعل الوضوء ، فالاصل فيه ما ورد من صفته في قوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )
وما ورد من ذلك أيضا في صفة وضوء النبي ( ص ) في الاثار الثابتة ، ويتعلق بذلك مسائل : اثنتا عشرة مشهورة تجري مجرى الامهات ، وهي راجعة إلى معرفة الشروط ، والاركان ، وصفة الافعال ، وأعدادها ، وتعيينها وتحديد محال أنواع أحكام جميع ذلك .
المسألة الاولى من الشروط : اختلف علماء الامصار هل النية شرط في صحة الوضوء أم لا بعد اتفاقهم على اشتراط النية في العبادات لقوله تعالى :
( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)
ولقوله ( ص ) : إنما الاعمال بالنيات – الحديث المشهور ، فذهب فريق منهم إلى أنها شرط ، وهو مذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وأبي ثور ، وداود وذهب فريق آخر إلى أنها ليست بشرط ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري .
وسبب اختلافهم : تردد الوضوء بين أن يكون عبادة محضة : أعني غير معقولة المعنى ، وإنما يقصد بها القربة له فقط كالصلاة ، وغيرها ، وبين أن يكون عبادة معقولة المعنى كغسل النجاسة ، فإنهم لا يختلفون أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية ، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية ، والوضوء فيه شبه من العبادتين ، ولذلك وقع الخلاف فيه وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة .
والفقه أن ينظر بأيهما هو أقوى شبها ، فيلحق به .
المسألة الثانية من الاحكام : اختلف الفقهاء في غسل اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء ، فذهب قوم إلى أنه من سنن الوضوء بإطلاق ، وإن تيقن طهارة اليد ، وهو مشهور مذهبمالك ، والشافعي .
وقيل إنه مستحب للشاك في طهارة يده ، وهو أيضا مروي عن مالك .
وقيل إن غسل اليد واجب على المنتبه من النوم ، وبه قال داود وأصحابه .
وفرق قوم بين نوم الليل ، ونوم النهار .
فأوجبوا ذلك في نوم الليل ، ولم يوجبوه في نوم النهار ، وبه قال أحمد .
فتحصل في ذلك أربعة أقوال : 1 – قول إنه سنة بإطلاق .
2 – وقول إنه استحباب للشاك .
3 – وقول إنه واجب على المنتبه من النوم .
4 – وقول إنه واجب على المنتبه من نوم الليل دون نوم النهار .
والسبب في اختلافهم في ذلك : اختلافهم في مفهوم الثابت من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال : إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فليغسل يده قبل أن