مصباح الفقاهة (ط . ج)-ج3-ص796
المقام من باب تزاحم المستحبين، فيكون كسائر المستحبات، فان في كل آن يبتلي الانسان بذلك كثيرا، فالان يستحب لنا زيارة امير المؤمنين (عليه السلام) وقضاء حوائج المومنين واتيان النوافل وهكذا، مع أنا لا نقدر على جميعها، فله أن يترك جميعها، وهكذا المقام، وليس من مقام التعارض هنا شئ.
ولكن ليس لمن كان كل من الكسبين مستحبا الوقوع في الحرج من جهة عدم القدرة على الامتثال حتى يتعين في حقه أحدهما، فان هذا مختص بالحكمين الالزاميين، وأما المستحبات فيجوز ترك جميعها اجمع أو اتيان أحدهما على حسب اختياره.
ولكن يقع الكلام هنا في ترجيح أحدهما على الاخر، فهذا يختلف، فان كان ما يترتب على تحصيله من الفوائد، من ترويج الدين واحياء شريعة سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) و ارشاد العوام وهدايتهم الى الدين أهم من الفوائد المترتبة على الكسب، فيرجح طلب العلم على طلب الكسب، كما إذا لم يترتب على كسبه الا اعانة فقير واحد أو توسعة عياله فقط أو زيارة أحد الائمة (عليهم السلام).
وان كان ما يترتب على كسبه اهم مما يترتب على طلب العلم فالامر بالعكس، كما إذا كان المترتب عليه تعمير المدارس والمساجد والمشاهد واتمامه الحوزة العلمية، وتأمين معاش اهل العلم وقواد الدين، ودفع الكرب عن فقراء الاسلام، ولكن لا يترتب على طلبة العلم الا تعليم جاهل واحد مسألة واحدة، بحيث لو لم يتعلمه ليتعلم من غيره.
ومع عدم وجود المرجح في البين يتخير في اختيار أيهما شاء، بل له ذلك مع وجود المرجح لاحدهما ايضا، فان الفرض ان كليهما مستحب كما لا يخفى، غاية الامر مع ترك الاهم واخذ المهم لزم ترك الاولى.