مصباح الفقاهة (ط . ج)-ج2-ص76
الواهب، فيستكشف من ذلك ان حقيقة الهبة متقومة بالتمليك المجاني، وهذا بخلاف البيع فانه متقوم باعتبار التبديل بين العوض والمعوض واظهاره بمبرز خارجي، وعليه فيستحيل تحقق مفهوم البيع بتمليك البائع فقط، أو بتمليك المشتري فقط (1).
1 – ربما يتوهم انتقاض التعريف بقسم آخر للهبة المعوضة الذي لم يتعرض له المصنف، وهو ان يهب الواهب ماله للمتهب على أن تكون داره مثلا للواهب بعنوان شرط النتيجة.
ولكنه ايضا اجنبي عن حد البيع، بداهة ان الدار وان صارت ملكا للواهب بقبول المتهب الهبة، الا أن ذلك من ناحية الشرط دون العقد، ولذا لو فرض فساد الشرط – لعدم كون الدار ملكا للمشروط عليه أو من جهة اخرى – لم تبطل الهبة، بناء على ما هو المشهور بين الاصحاب من أن فساد الشرط لا يسري الى العقد، وهذا بخلاف البيع، فان العوض فيه يصير ملكا للبائع بنفس العقد لا من قبل الشرط.
ثم انه لا وجه لما ذكره المصنف ( رحمه الله ) من حصر تمليك العين بالعوض في البيع، وتحقيق ذلك في نواحي شتى: 1 – ما افاده المصنف، من أنه لا معنى للرجوع الى الاصل بعد انحصار التمليك بالعوض في البيع وعدم صدقه على غيره.
وفيه ان التمليك بالعوص غير منحصر في البيع، بل له صنف آخر غير البيع كتبديل عرض بعرض، أو نقد بنقد، أو منفعة بمنفعة، من دون ان يجعل احد العوضين ثمنا والاخر مثمنا، فان ذلك خارج عن حدود البيع وانما هو قسم خاص من المعاملات المعاوضية، وتدل على صحته آية التجارة عن تراض – النساء: 33.
2 – انه إذا وجدت معاملة في الخارج وشك في انها بيع أو غيره حملت على البيع، لغلبته على سائر افراد التمليك بالعوض، وقد حقق في محله ان الظن يلحق الشئ بالاعم الاغلب.
وفيه انه لا دليل على حجية الغلبة، واذن فالظن الحاصل منها لا يغني من الحق شيئا، ويضاف الى ذلك ان بقية افراد التمليك بالعوض ليست بنادرة، غاية الامر ان افراد البيع اكثر من غيرها.
3 – إذا انشئ التمليك بالعوض بصيغة البيع واحتملنا ارادة المعنى المجازي من ذلك – كالصلح والهبة المعوضة – حمل على البيع، لاصالة الحقيقة التي ثبتت حجيتها ببناء العقلاء واجماع العلماء وسيرة الرواة وديدن حملة الحديث.
وفيه ان الاصل بهذا المعنى وان كان صحيحا، بل موردا للتسالم، ولكن الظاهر أنه ليسمراد القائل، كما هو واضح للمتامل.