مصباح الفقاهة (ط . ج)-ج1-ص450
من الكتاب العزيز (1)، واطلق المشركون صفة الساحر على النبي الصادق المصدق، فقد زعموا ان محمدا (صلى الله عليه وآله) يظهر الباطل بصورة الحق بكلمات فصيحة وخطب بليغة حتى يسحر بها اعين الناظرين وقلوبهم.
ومن هنا ايضا اطلق السحر على البيان الجيد بلحاظ المدح والذم (2)، فانه يصرف حواس الحاضرين وآذان السامعين الى المتكلم، وبهذا الاعتبار ايضا اطلق السحر على تمويه الفضة بالذهب.
وعلى الجملة ان الناظر الى كلمات اهل اللغة وموارد الاستعمال يقطع بأن السحر ليست له حقيقة واقعية وانما هو ما ذكرناه، ومن جميع ما تقدم ظهر ما هو المراد من الاخبار المتظافرة الدالة على حرمة السحر، وقد ذكرنا بعضها في الهامش.
وأما ما ذكره في القاموس من أن السحر ما لطف مأخذه ودق، فانه وان انطبق على ما ذكرناه، لان صرف الشئ عن وجهه على سبيل التمويه له مأخذ دقيق جدا، الا أنه تعريف بالاعم، فان الامور التي يلطف
1 – في مفردات الراغب: نحن قوم مسحورون اي مصروفون، وفي لسان العرب فاني تسحرون اي تصرفون، وفي مجمع البحرين ان تتبعون الا رجلا مسحورا اي مصروفا عن الحق، وغير ذلك من الموارد (مر ذكر المصادر قبيل هذا).
2 – في لسان العرب: السحر البيان في فطنة، كما جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)الى ان قال: ان من البيان لسحرا، قال أبو عبيدة: كان المعنى انه يبلغ من ثنائه انه يمدح الانسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب الى قوله، ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب الى قوله الاخر، فكأنه قد سحر السامعين بذلك (لسان العرب 4: 349).
ذكر في البحار الحديث ثم قال ما حاصله: وسمى النبي (صلى الله عليه وآله) بعض البيان سحرا لوجهين: الاول: انه لدقته ولطفه يستميل القلوب الى المتكلم.
والثاني: ان المقتدر على البيان يكون قادرا على تحسين ما يكون قبيحا، وتقبيح ما يكون حسنا، فذلك يشبه السحر من هذا الوجه (البحار 59: 277