مصباح الفقاهة (ط . ج)-ج1-ص417
وقد يتوهم ان الاية ليست لها تعرض لحكم الرشوة، فان قوله تعالى: وتدلوا بها الى الحكام، ظاهر في ان المحرم هو الادلاء باموال الناس الى الحكام ليستعين بهؤلاء على اكل فريق آخر من اموال الناس بالاثم، ومن المعلوم ان الرشوة هي ما يعطيها الراشي من مال نفسه لابطال حق أو احقاق باطل.
وفيه اولا: ان الرشوة في العرف واللغة اعم من ذلك كما تقدم، فلاوجه للتخصيص بقسم خاص.
وثانيا: انه لا ظهور في الاية المباركة في كون المدفوع الى الحكام مال الغير بل هي اعم من ذلك، أو ظاهرة في كون المدفوع مال المعطي.
ومجمل القول: ان حرمة الرشوة في الجملة من ضروريات الدين ومما قام عليه اجماع المسلمين فلا حاجة الى الاستدلال عليها.
ثم ان تفصيل الكلام في احكام الرشوة، ان القاضي قد يأخذ الرشوة من شخص ليحكم له بالباطل مع العلم ببطلان الحكم، وقد يأخذها ليحكم للباذل مع جهله سواء طابق حكمه الواقع ام لم يطابق، وقد يأخذها ليحكم له بالحق مع العلم والهدى من الله تعالى.
أما الصورتان الاوليان، فلا شبهة في حرمتهما، فان الحكم بالباطل والافتاء والقضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع محرمان بضرورة الدين واجماع المسلمين، بل هما من الجرائم الموبقة والكبائر المهلكة، ويدل على حرمتهما ايضا العقل والكتاب (1) والسنة (2).
1 – في سورة المائدة: 48، قوله تعالى: ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون، وفي سورة الانعام: 116، قوله تعالى: أن يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون، وفي سورة يونس: 37 وسورة النجم: 29، قوله تعالى: ان الظن لا يغني من الحق شيئا، وفي سورة يونس: 60، قوله تعالى: قل الله اذن لكم ام على الله تفترون، وفي سورة بني اسرائيل: 39، قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم.
2 – راجع الوسائل باب: 6، عدم جواز القضاء بالرأي من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء، والمستدرك باب 6 عدم جواز القضاء بالرأي من أبواب صفات القاضي 17: 252 – 258، وسنن البيهقي 10: 116.