المکاسب المحرمة , الاول-ج2-ص75
الشارع الاقدس.
فنقول: يحتمل بحسب التصور ان يكون الكذب قبيحا ذاتا ويكون علة تامة له لا ينفك عنه فيكون في موارد مزاحمته مع ما هو اقبح منه باقيا على قبحه وان جاز أو لزم ارتكابه، لاختيار العقل اقل القبيحين، وان يكون مقتضيا له بمعنى ان فيه اقتضائه ويؤثر ذلك في القبح الا ان منعه مانع عن فعليته كاقتضاء النار للاحراق فلا ينافى ذلك الاقتضاء عدم التأثير فعلا.
فعليه لا يكون الكذب المنجى للمؤمن من الهلكة قبيحا فعلا ومعنى كونه مقتضيا انه لولا ذلك المانع لصار فعليا فحينئذ يكون الكذب مزاحا وفى موارد لا يترتب عليه صلاح ولا فساد قبيحا لاقتضائه الذاتي وفقدان ما يمنعه عن الفعلية، و ليعلم ان الاقتضاء والتأثير والعلية كلها ههنا ليست على حذو علل التكوين، وان يكون لا اقتضاء ذاتا ويكون قبحه وحسنه بالوجوه والاعتبار وعروض جهات مقبحةأو محسنة ولا يكون قبيحا ولا حسنا مع عدم عروض شئ منهما وهذا هو المراد من كون القبح بالوجوه والاعتبار وان يظهر من الشيخ الانصاري (1) في المقام الثاني ما يشعر بخلاف ذلك.
والظاهر ان هذا الاحتمال اضعف الاحتمالات فان العقل يدرك قبحه وحزازته في نفسه فيرى الكذب الذى لا يترتب عليه مفسدة ومصلحة قبيحا له حزازة بلا شبهة وانما الكلام في الاحتمالين الآخرين ولا يبعد ترجيح الاول بدليل انه في المورد الذى يتوقف انجاء النبي صلى الله عليه وآله أو المؤمن على الكذب يرى العقل انه لو كان انجائه متوقفا على الصدق كان احسن فلا يسوى بين الكذب والصدق التقديرى في هذا المورد وهذا شاهد على ان العقل يدرك قبحه فعلا لا اقتضاء بالمعنى المتقدم.
وان شئت قلت ان الكذب مع تجرده عن كافة المتعلقات والنظر إلى ذاته بذاته له قبح ما عقلا لا ينفك عنه والجهات الخارجية لا تأثير لها في رفعه ولهذا يتمنى العاقل ان يكون الصدق مكان الكذب منجيا للنبى صلى الله عليه وآله وليس ذلك الا لعدم رفع حزازته
(1) في المسألة الثامنة عشر من النوع الرابع – في الكذب.