منیة الطالب فی شرح المکاسب-ج1-ص173
ومحصل وجه التقدير في أمثال العتق عن الامر: أن أمر الامر بإيجاد عمل محترم أو بإتلاف مال محترم غير مجاني يرجع نفعه إلى الامر يقتضي وقوعه لو أوجده المأمور في ملك الامر، لأنه استوفاه حقيقة بأمره، والمفروض عدم صدوره عن المأمور تبرعا، بل بالعوض المسمى لو عينه، أو المثل أو القيمة لو لم يعينه، فلا محالة يدخل هذا العمل أو المال في ملك الامر وينتقل عنه أو يتلف في ملكه.
فلو أمره بعتق عبده عنه أو بإلقاء ماله في البحر وعليه ضمانه، أو بأداء دينه من ماله أو بضمانه عنه، أو بحمل شئ له أو بحلق رأسه ونحو ذلك فباستدعائه عن المأمور يصير شبه قرض في الجميع.
أو يقال بأنه لو تعلق أمره بالأعيان فكأنه اشتراها من المأمور، أو بالأعمال فكأنه استأجر عاملها، أو بأداء الدين فكأنه اقترض من المأمور، فيدخل العبد المأمور بعتقه حقيقة في ملك الامر وينعتق عنه، وهكذا يدخل المال الذي أمر بإلقائه في البحر في ملك الامر، ويتلف في ملكه إذا لم تكن المعاملة سفهية، كما إذا توقف النجاة من الغرق على الألقاء، وهكذا في مورد الأمر بأداء الدين فبعد دخول المال في ملكه يوفى به دينه، وكذا الحوالة على البرئ، وهكذا الأمر بحمل شئ له ونحو ذلك.
وبالجملة: كل هذه العناوين حيث إنها معاملة واقعة بين الامر والمأمور والمأمور امتثل ما أمر به الامر فتقع في ملك الامر، وإذا عين له العوض فلا يستحق إلا المسمى، ولو لم يعين فيضمن له المثل أو القيمة.
ومن أحكام هذه المعاملة أنه ليس للمأمور مطالبة العوض إلا بعد الامتثال، ولا يضمن الامر إلا بعد الاستيفاء، فصحة هذه المعاملة، لعموم (تجارة عن تراض) (1) تقتضي تقدير الملك، فكأن العبد يدخل في ملك الامر وينعتق عنه.
ثم إن تقدير الملك آنا ما في مسألة العتق ليس، لأن العتق لابد أن يقع من المالك، لأنه إذا وقع من دون أمر آمر واستدعائه يقع من مالكه ولو قصده عن غيره بعوض، فإن هذا القصد من دون أمر الغير لغو، ولا لأن العتق لا يقع من المالك
(1) النساء: 29.