ریاض المسائل (ط.ج)-ج1-ص45
البحث الفقهي بصورة عامة، فقد كان البحث الفقهي – كما استعرضنا ملامحه بإجمال – في مدارس (المدينة والكوفة وقم) لا يخرج عن حدود استعراض السنة ونقل الحديث، ولم يبلغ رغم تطور الدرسة في عهودها الثلاثة مرحلة الرأي والاجتهاد.
ولم نلمس في هذه العهود الثلاثة ملامح عن الصناعة الفقهية والاصولية فيما بين أيدينا من آثار عصور الفقه الثلاثة الاولى بشكل ملموس واضح الملامح.
ولاول مرة يلمس الباحث آثار الصناعة والصياغة الفنية، والاجتهاد والرأي والتفريع في كتابات هذا العصر، ولا سيما كتب المرتضى الاصولية وكتب الشيخ الفقهية والاصولية.
ولو حاول الباحث أن يدمج العصور الاولى بعضها في بعض، ويعتبر هذهالفترة فاتحة عصر جديد ومدرسة جديدة في الفقه لم يبتعد كثيرا عن الصواب.
ومهما يكن من أمر فلنحاول أن ندرس ملامح هذه المدرسة مرة اخرى، ليتاح لنا أن نقيس بدقة أبعاد هذه المدرسة، ونضع لها حدودا تفصلها عن المدارس السابقة عليها واللاحقة لها.
واولى هذه الملامح أن الفقه خرج في هذا الدور عن الاقتصار على استعراض نصوص الكتاب، وما صح من السنة إلى معالجة النصوص، واستخدام الاصول والقواعد، فقد كانت مهمة البحث الفقهي في الادوار السابقة عرض النصوص وفهمها وتذوقها.
ولامر ما يطلق على هذا العلم اسم ” الفقه “، فالفقه هو الفهم، ومهمة الفقيه قبل هذه المرحلة ما كانت تتجاوز في الاعم الاغلب فهم النصوص الصحيحة وتذوقها.
وفي هذه المرحلة انقلبت عملية الاستنباط إلى صناعة عملية لها اصولها وقواعدها، وانفصل البحث الاصولي عن البحث الفقهي وأفرد بدراسات ومطالعات خاصة، وقام البحث الفقهي على نتائج هذه الدراسات والمطالعات