مسالک الافهام الی تنقیح شرائع الاسلام-ج8-ص464
عينه لا يستهلكها الانتفاع ولا يدفع إليها.
ومنها ما هو متردد بين الأمرين، وهوالكسوة، فإنها مما يبقى عينها مع الانتفاع كالمسكن، وتفنى به على طول المدة كما تفنى النفقة به في الجملة بخلاف المسكن.
وقد اختلف العلماء لذلك في كونها تمليكا أو إمتاعا، فذهب المصنف والعلامة (1) في غير التحرير والإرشاد والشيخ في المبسوط (2) إلى الأول، لما ذكر، ولقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن) (3) عطفها على الرزق فيكون الواجب فيهما واحدا، لاقتضاء العطف التسوية في الحكم، وهو في الرزق التمليك فيكون كذلك في الكسوة.
ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ” (4) واللام للملك.
وفيه نظر، لمنع اقغضاء العطف التسوية في جميع الأحكام وجميع الوجوه.
سلمنا، لكن المعتبر الاشتراك في الحكم المذكور دون صفته وكيفيته، فإن قولنا ” أكرم زيدا وعمرا ” يقتضي اشتراكهما في أصل الإكرام لا التسوية فيه من كل وجه، والظاهر من الحكم هنا كون الرزق مستحقا عليه فتكون الكسوة كذلك، وأما كيفية الاستحقاق فأمر آخر خارج عن أصل الحكم، ومن الجايز أن يريد بقوله ” وكسوتهن ” جعلهن مكسيات وهو يتم بالإمتاع.
وأما الخبر فمع قطع النظر عنأسناده يجوز كون اللام للاستحقاق – لا للملك – أو الاختصاص، بل هو الأصل فيها، كما حققه جماعة، وهما يتحققان بالإمتاع.
ويؤيد الثاني أن الغاية من الكسوة الستر، وهو يحصل بالإمتاع كالسكنى،
(1) قواعد الأحكام 2: 54.
(2) المبسرط 6: 50.
(3) ا لبقر ة: 233.
(4) تقدم ذكر مصادره في ص: 441، هامش (2).