مسالک الافهام الی تنقیح شرائع الاسلام-ج4-ص132
ذلك أقصى ما يمكن اعتباره شرعا في التفحص، فلا يكلف مع البينة أمرا آخر،لاصالة البراءة، ولظاهر الخبر (1).
وإن اعتبرنا اطلاع بينة التلف على باطن أمره – كما ذكره بعضهم – توجه عدم اعتبار اليمين معها، لما ذكرناه.
ويمكن أن يوجه كلام الجماعة الدال على عدم اعتبار الخبرة الباطنة في شهادة التلف، لا بالنظر إلى الحاكم ولا بالنظر إلى الشهود: بأن هذا المديون لما كان يعرف له أصل مال ولو يكون الدعوى كذلك، فلا بد لهذا المال الثابت ظاهرا من أمر يدفعه، فإذا شهدوا بتلف أمواله التي يطلعون عليها فقد علم الانتقال عن ذلك الاصل الباقي في المال، وإن أمكن بقاء بعضه، إلا أنه غير معلوم، والتكليف إنما هو بالظاهر، بخلاف ما إذا شهدوا بإعساره، فإن المراد أنهم لم يطلعوا على ماله، وهذا لا يدفع ذلك الاصل الذي هو بقاء المال السابق بوجه.
فلا بد مع ذلك من الخبرة الباطنة والعشرة المتأكدة، ليحصل الظن بتلف ذلك المال، وإنما يحصل بذلك.
فظهر الفرق بين الحالين.
ويوجه به أيضا ما اختاروه (2) من ثبوت اليمين في الاول دون الثاني، لان الاول لا يدفع المال الباطني يقينا ولا ظنا، لعدم الاطلاع عليه، بخلاف الثاني، لان كثرة ملابسته ومجاورته والاطلاع على الصبر على ما لا يصبر عليه من يكون بيده مال عادةيفيد الظن الغالب بعدم المال، فلا يتجه مع ذلك انضمام اليمين إلى البينة.
نعم، لو ادعى الغريم وجود مال مخصوص للمديون، واعترف بعدم غيره، فشهد الشهود بتلفه، لم يجب اليمين في الاول أيضا، ولم يعتبر اطلاع الشهود على باطن أمره، إلا أن هذه مادة خاصة، والمسألة أعم منها.
والظاهر من عبارة الاصحاب وغيرهم في هذه المسألة هو ما وجهناه أخيرا من أن شهود التلف لا يعتبر اطلاعهم على حاله في أنفسهم ولا عند الحاكم، بخلاف
(1) الوسائل 18: 170 ب ” 3 ” من أبواب كيفية الحكم.
(2) في ” ب ” و ” ه “: ما اختاره.