الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة-ج1-ص188
وكان يقضي نهاره في بلده بالتدريس، وقضاء حاجات المحتاجين، ويمضي ليلة بالاحتطاب، وحفظ الكرم كما يحدثنا به تلميذه ابن العودي.
لكن مع هذا كله جاء كثير التأليف، خصب الكتابة، مع ضبط للمواضيع ودقة في النقل، وترو في الآراء، وعمق في النظريات، ونضج في الفتاوى.
كون (الشهيد) مدرسة قائمة بذاتها لها خصائصها وميزاتها ووجهاتها الخاصة بما ألف وأنتج في عالم التصنيف.
وأسفاره الكثيرة، وحضوره على أساتذة مختلفين، وقراءته عند علماء المذاهب الاسلامية، ومطالعاته الطويلة في شتى الكتب من سائر ألوان الثقافات الدارجة في ذلك العصر، وصبره الزائد على الفحص في المصادر والمراجع العلمية.
كل هذه العوامل طبعت (مؤلفات الشهيد) بطابع الموضوعية في الدراسة، والعمق في الفكرة، والوضوح في التعبير والسلاسة في صياغة الالفاظ، والانسجام في الترتيب، والأناقة في العرض وحسن السليقة في التبويب، والطرافة في التنظيم.
والذي يجلب النظر فيما كتبه الشهيد أنه لم يخصص كتاباته بطبقة خاصة من الناس، فبينما نرى أنه يكتب موضوعا علميا بحتا للعلماء المتخصصين يكتب موضوعا أخلاقيا بسيطا للسوقة، والذين ليس لديهم حظ وافر من العلم.
وبينما يصنف في الفقه الاستدلالي بمستوى كبار الفقهاء يؤلف في المواضيع الاسلامية وغيرها لأبسط الناس.
وكان الشهيد كذلك يستوحي في بعض الاحيان من الظروف التي تكتنفه: فكتب كتابا في الغيبة، لأنه يرى بعض الناس يصرفون كثيرا