جامع المقاصد فی شرح القواعد-ج1-ص6
وكان هذا التهاون في دراسة الفقه والترك لمنابعه الأصلية ، واعتماد كتب انقطعت سلسلة الرواية لها ، من عوامل تأخر علم الفقه .
لقد فتح هذا التهاون بابا واسعا من الشر ، حتى حمل التلمساني والمقري من فقهاء المالكية على القول بأن كثرة التأليف قد أفسدت الفقه ، لأن الرواية قد تركت وانقطعت سلسلة الاتصال ، فكثر التصحيف ، ونقلت الأحكام من كتب لا يدرى ما زيد فيها وما نقص ، وقد كان أهل المائة السادسة وصدر من السابعةلا يجوزون الفتيا من كتاب ( التبصرة ) للخمي ، لأنها لم تصحح على مؤلفها ولم تؤخذ عنه ، وأكثر الناس اليوم لا يسيرون على هذا النمط ، ولهذا كان التأليف سببا لفساد الفقه ( 1 ) .
المدارس وأثرها : كانت الدراسة الدنية عموما من مهام المساجد وبيوت العلماء ، وقد استمرت على ذلك عدة قرون .
وكان هذا من الأمور التي تفسح بعض الحرية أمام الاساتذة والطلاب في البحث والنقد والتحليل .
ثم كانت أول مدرسة هي المدرسة النظمية التي أنشأها الوزير نظام الملك بنيسابور ، ثم توالى إنشاء المدارس النظامية في بغداد ودمشق وغيرهما من البلاد .
وكثر إنشاء المدارس في عهد الأيوبيين والمماليك في بلاد مصر والشام وما والاها ، كما كثرت في عهد الأتراك العثمانيين ، وكان من أشهرها مدارس الاستانة الثمان ( 2 ) .
وكانت المدارس تقبل من يخضع لقوانينها ، وتترك الفضلاء الذين همهم حرية الدرس والبحث ( 3 ) .
( 1 ) موسوعة جمال 1 : 51 .
( 2 ) انظر موسوعة جمال : 40 .
( 3 ) يلاحظ أن المدارس الشيعية لم تخضع لنظام الحاكم يوما ما على طول تاريخها من صدر الاسلام إلى الآن ، فكانت حرة في البحث والدرس واستمر الاجتهاد إلى يوم الناس هذا .