اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص527
ورأي الإسلام واضح بهذا الشأن والقرآن والأحاديث حلت هذا الإشكال قبل أربعةعشر قرناً، ودعونا نُذكِّر بنقطة حول مقتضى الحكمة الإلهيّة بهذا الخصوص قبل أن نتحدث عن هذا الموضوع من وجهة نظر القرآن والسنة. فالموحد الذي يؤمن باستناد خلق العالم إلى الحكمة الإلهيّة ليستبعد إقتصار الحياة على جزء من الكرة الأرضية من بين ملياردات الكواكب وكأنّها صحارى جرداء تفتقر إلى معاني الحياة والتفكير والشعور، فهذا الأمر لاينسجم قط والهدف من الخلق وحكمة الخالق. والقرآن الكريم يشير صراحة إلى وجودالحياة في السماوات فيقول في وصفه لقدرة اللَّه:
« وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ»(1) .
ولا يكتفي القرآن بالتصريح بوجود الحياة في كواكب السماء، بل يصرح في بعض الآيات بتكليف هذه الموجودات على غرار تكليف البشر في الأرض وأنّهم سيحشرون إلىربّهم يوم القيامة:
« إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً»،(2) «لَقَدْ
«أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً»(3)
،
« وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً»(4)
. فالآيات الثلاث الأخيرةتشير صراحة إلى تكليف هذه الموجودات العاقلة وستحشر يوم القيامة كما هي عليه الحالةبالنسبة للبشر ونكتفي بنقل رواية واحدة من بين الروايات بهذا الشأن.
قال أمير المؤمنين عليه السلام بشأن هذه النجوم:
« إنَّ هذِهِ النُّجُومُ الّتي فِي السَّماءِ مَدائِنَ مَثلَ المَدائِنِ الَّتي فِي الأرضِ مَربُوطَة كُلُّ مَدِينَةٍ إِلى عَمَدٍ مَنْ نُورٍ»(5) .
وجاء في دعاء الإمام الحسين عليه السلام :
« اللُّهمَّ إِنّي أَسئَلُكَ بِكَلِماتِكَ وَمَعَاقِدِ عِزِّكَ وَسُكَانِ سَماواتِكَ وَأَرضِكَ»
. فالعبارة تشير بوضوح إلى سكان السماوات – وهم من المقربين – رغم ما فسّره بعض العلماء بالملائكة حيث لا دليل لدينا على الحصر.
(1) سورة الشورى، الآية 29.
(2) سورة مريم، الآية 93، وتستعمل «من» في العربية للعاقل.
(3) سورة مريم، الآية 94.
(4) سورة مريم، الآية 95.
(5) سفينة البحار، مادة نجم، ج 2، ص 574، كما ورد مثل هذا المضمون في مجمع البحرين، مادة كوكب و ورد )عمودين من نور( بدل )عمود من نور( وربّما كان المراد قانونا الجاذبة والطاردة )مجمع البحرين، ص 122).