اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص456
ولنرى الآن ما المراد بالتفسير بالرأي أو دون علم؟
فقد ذكر المفسرون ثلاثة أوجه للتفسير بالرأي نشير إليها باختصار:
1 – أحكام المفسر تؤدي به إلى تفسير اللفظ الذي له معنيان دون وجود قرينة للتعيين أوالآية المبهمة والمجملة من حيث المضمون والهدف والتي ينبغي رفع إجمالها وإبهامها على ضوء عقائده وأفكاره. وبعبارة أخرى فإنّ العقائد الشخصية والأحكام المسبقة تؤدّي به إلىتفسير الآية على أساسها )دون قرينة وشاهد( ويحمل آراءه على القرآن، بدلاً من أن يهتدي به(1) .
ونموذج هذا التفسير بالرأي في كتب من يتبع مذاهب »المعتزلة« و«الأشاعرة«و«الباطنية« و«الصوفية« فالمفسّر الذي أذعن مسبقاً لآراء المعتزلة والأشعرية بشأن صفات اللَّه وأفعاله ويتعامل مع أية ربّما يطبقها على عقيدته الخاصة وأحياناً ظاهرها خلاف عقيدته إنّما يسعى على ضوء عقائده السابقة إلى تفسيرها وفق مذهبه، فتراه يحمل عقائده على القرآن بدلاً من العكس.
وتفسير الكشاف(2) للزمخشري مصداق بارز لتفسير القرآن على أساس مذهب الاعتزال، ومفاتيح الغيب للفخر الرازي نموذج بارز للتفسير على ضوء المذهب الأشعري.
ففي كل من هذين التفسيرين يسعى المفسر لإثبات عقائده من خلال القرآن، ولا يسعه التخلي عن أحكامه المسبقة فيتأمل مثلاً صفات اللَّه والعباد على أساس القرآن.
كما فسّر بعض علماء الباطنية والصوفية وبعض الفلاسفة جانباً من الآيات المتعلقةبالمعارف العقلية طبق نظرياتهم، فالملا عبدالرزاق الكاشي انطلق في تفسيره من آراء
(1) تفسير مجمع البيان، ج 1، ص 12؛ والجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 4؛ وآيات الأحكام للمحقق الأردبيلي، ص 2، وتفسير الصافي، المقدمة الخامسة، ص 9؛ ورسائل الشيخ الأنصاري، ص 35. وحيث إنّ لفظ «رأى» في اللغة العربية يعني الظن والحدس، يتضح أنّ آراء المفسّر السابقة ليست آراء قطعية، بل سلسلة ظنون لا يجزم المفسر بصحتها وقاطعيتها.
(2) نقد أسلوب التفسير في هذا الكتاب في المسائل الخلافية بين المعتزلة والأشاعرة لا يقلل من قيمته في ما يتعلق بالفصاحة والبلاغة الرائعة، فقيمة الكشاف بهذا الخصوص ما لا يمكن إنكاره.