پایگاه تخصصی فقه هنر

اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص154

أمّا مسألة ترتيب الآيات الذي خلق العديد من المشاكل للمفسّرين في مباحثهم فلايبدو على درجة من الغرابة ؛ ذلك لأنّ ترتيب نزول السور والآيات القرآنية يختلف تماماً مع ترتيبها الفعلي ؛ مثلاً، السور التي نزلت في المدينة والتي ينبغي أن تعقب السور المكيةوالعكس بالعكس، بينما القضية ليست كذلك حتى أنّ بعض الآيات في السورة نزلت في مكة وبعضها الآخر في المدينة، وربّما كانت هنالك فاصلة زمانية تمتد لسنوات خلال نزول آيتين من السورة. ولو تأملنا سبب نزول الآيات أو التفتنا على الاقل إلى ما كتب اعلى السور القرآنية لاستغنينا عن أي ايضاح ؛ فهنالك بعض السور التي يصطلح عليها بالسورالمدنية، في حين نزلت بعض آياتها في «مكة»، كسورة الأنفال المدنية بجميع آياتها سوى الآيات من 20 إلى 26 نزلت في مكة، والعكس كثير أيضاً كسورة الشعراء والكهف وأمثالهما.

وعليه فترتيب الآيات وإرتباطها مع بعضها لا يعدّ بالنسبة لنا سنداً محكماً إزاء الروايات والأحاديث القطعية. وهذا هو نهج الأعلام في تفسير القرآن، وتؤيده شواهد كثيرة.

فالقرآن ليس على غرار التأليف البشري بحيث يخوض في موضوع ويتابعه إلى آخره،بل القرآن مجموعة من الآيات التي نزلت من اللَّه بالتدريج وحسب الأحداث المتنوعةولتحقيق أهداف مختلفة، فلربّما تضمّ السورة مواضيع مختلفة ومقاصد متعددة، ومن هنا لايمكن جعل ما قبل الآية وما بعدها دليلاً على موضوع معين، كما يمكن أن تكون جميع آيات السورة كسلسلة متصلة الحلقات، بينما لا تكون كذلك أحياناً، وعلى هذا الأساس فإنّ المشكلة تبدو محلولة، فأغلب الآيات وسط السورة قد لا تبدو مناسبة مع بدايتهاونهايتها. (1) وإن سعى بعض المفسرين لإيجاد حالة من التناسب والإرتباط، ولعل الأمر لايخلو من تكلّف، لأنّ جميع آيات السورة – على فرض نزولها في مكة أو المدينة – لم تنزل دفعة واحدة، بل نزلت على ضوء بعض المقتضيات، ولربّما كان لكل آية سبب نزول. وعليه


(1) راجع على سبيل المثال الآية 238 و 239 من سورة البقرة، فالآيتان تتحدثان عن الصلاة، في حين تعالج ماقبلهما وبعدهما من الايات أحكام المرأة.