اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص61
الأجر والثواب الدنيوي والآخروي الذي بشر به الأنبياء والرسل، أو لدفع ألم يشعر به أثررؤيته لبعض الأوضاع المزرية التي يعاني منها الفقراء والمعدومون والتي يرق لها القلب،فهو ينفق بعض رأس ماله لإضفاء السكينة على وجدانه، أو يفعل ذلك للحصول على السمعة والشهرة التي يراها سبب تكامله.
إنّ الإنسان إنّما يقوم بأفعاله إمّا لحصول نفع أو دفع ضرر يشعر به في ترك العمل ويبحث عن منافعه وتكامله في كافّة هذه الأفعال إلى درجة أنّه يتعذر أن يقوم الإنسان بعمل من أجل ذات العمل دون أن يأخذ بنظر الاعتبار تكامله المادي والمعنوي(1) .
والآن بعد أن وقفنا على دوافع الإنسان في أعماله واتضح حصول أعماله لتحقيق هدف ،لن تكون نتيجته سوى تكامله الروحي والجسمي، لابدّ أن نسلط الضوء على هدف اللَّه من أفعاله. صحيح أنّ الذات الإلهيّة منزهة عن فعل اللغو والعبث وأنّها هادفة في أعمالها كافّة ،وقد خلق اللَّه كل كائن لهدف، ولكن ينبغي معرفة الهدف من أفعال اللَّه وماذا يعني هذاالهدف. فقولنا إنّ خالق الكون إنّما خلق كل كائن فيه لهدف، لا بالمعنى الذي أوردناه بشأن أعمال الإنسان، بل هنالك بون شاسع بين هدف اللَّه وهدف الإنسان من الأعمال. وعلى ضوء الفارق بين اللَّه والإنسان في أنّ اللَّه غني وغير محتاج، والإنسان محتاج مطلق، يتبيّن أنّ الهدف من أفعال اللَّه معانٍ أخرى تقابل بالضبط ما ذكر بشأن هدف الإنسان. فلما كان الإنسان فقيراً ومحتاجاً ولا تتوقف حاجاته لخارج ذاته ولو للحظة، كان عليه أن يجدويجتهد على الدوام لرفع حاجاته وبلوغ تكامله. ولكن حيث إنّ اللَّه وجود مطلق ولا متناهٍ فالفقر والحاجة ليس لها من سبيل إلى ذاته المقدّسة، ذلك لأنّها تنطوي على جميع
(1) نعم أولياء اللَّه يمكنهم التجرد من هذه الروح فيقومون بأفضل الأعمال لذاتها دون أدنى تفكير بمنافع العمل المادية والمعنوية. وما أكثر مثل هذه الأعمال التي يمكننا لمسها في حياة أولياء اللَّه ولا سيما حياة أميرالمؤمنين علي عليه السلام فهو الذي قال: اللهم اني لم أعبدك طمعا في جنتك ولا خوفاً من نارك، لكنّي وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك. فمثل هؤلاء الأولياء المولعون بالعبادة والذائبون في كمالات معبودهم، إنّما يغفلون عن أنفسهم حين العبادة، فيعبدوه لأنّه أهلاً للعبادة. ولعلنا نجد شبيه ذلك عاطفة الأم التي قد تبدو على درجة من السمو بحيث تلتصق ساعة الشدّة بولدها بما يجعلها غير آبهة بما يحدق بها من أخطار، ولذلك فهي تضحي بنفسها من أجل وليدها. )