اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص40
لعل البيان الفلسفي المذكور يبدو صعباً على البعض. ولتبسيط الموضوع نستعين بهذا المثال لنرى كيفية الردّ الذي يسوقه من يتذرع بعلم اللَّه الأزلي في ما يرتكبه بعض الأشخاص من جرائم وجنايات ليلتمسوا لهم الأعذار في ما يمارسون من ظلم وأثم وهل يعتمدون ذات المنطق في هذا المثال: فأغلب الأساتذة يستطيعون التكهن بمستقبل تلامذتهم، فالأستاذ الذي يتابع عن كثب مستويات طلّابه ربّما يمتلك رؤية واضحة تامة عن أولئك الذين سيجتازون الإمتحان ومن يفشل فيه، ولنفترض أنّ الأستاذ يعرف بكسل أحدالتلامذة ومدى إهماله وقضائه لوقته في اللعب دون أن تؤثر فيه نصائحه وإرشاداته وعليه فإنّ الأستاذ يستطيع أن يحدد نتيجة هذا التلميذ مسبقاً وسيكون علم الأستاذ مطابقاً للواقع بالطبع، وهنا نتساءل عن السبب الذي يقف وراء فشل التلميذ في الإمتحان، أيكمن في علم الأستاذ أم في نفس التلميذ؟ ولو تكهن الأستاذ بنتيجة أخرى مغايرة، فهل كان يمكن تحققهابحيث كان ينجح ذلك التلميذ في الإمتحان، أم أنّ رسوبه في الإمتحان كان معلولاً لإهماله وكسله؟ قطعاً ليس هنالك أي عاقل يوعز فشل التلميذ إلى علم الأستاذ، ويجزم أنّ إهمال التلميذ كان هو السبب وراء فشله ورسوبه في الإمتحان.
وهل يشك أحد في أنّ التلميذ هو المسؤول عن تقرير مصيره، وأنّه حرّ ومختار في تحديد النتيجة التي يرغب فيها. والأمر كذلك بالنسبة لعلم اللَّه ومصير الإنسان وحريته في أفعاله، مع العلم أنّ هنالك بوناً شاسعاً بين علم الأستاذ ونتيجة تلامذته وعلم اللَّه بعباده، ذلك العلم الأزلي اللامتناهي، مع ذلك فليس لهذا الفارق من تأثير في الجواب، وأنّ أي من العلمين لم تكن له مدخلية في النتائج ولا يوجبان سلب الطرف المقابل حريته واختياره وإرادته.
أنّ اللَّه خلق الإنسان وأودعه سلسلة من المواهب والقدرات ومنحه العقل والإرادة والاختيار والحرية وبين له سبيل السعادة والفلاح، وجعل كل إنسان حرّاً في ما يسلك من سبيل. ونحن بدورنا من يقرر مصيره بمل حريته واختياره، وليس لعلم اللَّه أي تأثير في تعيين هذا المصير، ذلك لأنّ هذا العلم لا يسلبنا أي شي ء من الحرية والإرادة