پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص259

كاتب عبده وأراد الرجوع به إلى دار الحرب بعد كتابته فإن ساعده المكاتب لم يمنع من الرجوع معه ، وإن لم يساعده ، واستعدانا عليه منعناه من إخراجه معه ، لأن دار الإسلام تجري على العقود فيها أحكام الوفاء بها ، وهو إذا خرج به لم يؤمن أن يغلبه على إبطال كتابته ، فلذلك منع ، ولأن عقد الكتابة قد منع سيده منه ، فصار له مال الكتابة دينا عليه ، ومن عليه دين لا يلزمه السفر مع صاحب الدين ، ولو كان الحربي قد كاتب عبده في دار الحرب ، ثم دخل إلينا بعبده مستأمنا لم يمنع من رده إلى دار الحرب ، لأنه عقد لم تجر عليه حرمة الإسلام ، فافترقا .

فصل

فإذا ثبت ما وصفنا ، وأن الحربي ممنوع من إخراج من كاتبه في دار الإسلام ، وإن لم يمنع من إخراج من كاتبه في دار الحرب ، قيل للحربي بعد منعه من إخراج مكاتبه في دار الإسلام أنت بالخيار بين أن تقيم في دار الإسلام لاستيداء مال الكتابة ، وبين أن توكل من يقبضه لك ، فترجع إلى دار الحرب ، فإن أراد المقام في دار الإسلام منع من استدامة مقامه إلا بجزية يؤديها عن رقبته ، ليصير له بعد الأمان ذمة بالجزية ، فإن استأدى مال الكتابة عتق المكاتب ، ولم يكن له أن يقيم بعد عتقه ، إلا بجزية ، لأنه قد صار حرا معتبرا بجزية نفسه ، وإن عجز المكاتب عاد عبدا ، ولم تلزمه الجزية ، لأنه تبع لسيده ، ولو عاد المكاتب بعد عتقه إلى دار الحرب ، فسبي جاز استرقاقه ، وإن كان عليه ولاء لذمي ، بخلاف من كان ولاؤه لمسلم ، لأن الذمي يجوز أن يسترق ، فلذلك جاز استرقاق مولاه ، والمسلم لا يجوز أن يسترق فلم يجز أن يسترق مولاه ، فإن وكل هذا الحربي من ينوب عنه في قبض الكتابة ، وعاد إلى دار الحرب قام وكيله في قبض مال الكتابة مقامه ، فإذا أدى المكاتب إليه مال الكتابة عتق ، وكان ولاؤه لسيده ، وإن عجز رق ، وكان ملكا لسيده ، فلو كان المكاتب على حاله ، فنقض سيده الأمان في دار الحرب ، وخرج إلينا محاربا ، فهل يغنم مكاتبه أم لا ؟ على قولين حكاهما ابن أبي هريرة .

أحدهما : يغنم هذا المكاتب ، لأنه ممنوع بأمان السيد ، فإذا ارتفع أمانه بنقض العهد زال المنع ، فعلى هذا يؤدي المكاتب مال الكتابة إلى بيت المال ، لأنه فيء يصرف مال الأداء مصرف الفيء ، وإن عجز رق ، وكان قنا .

والقول الثاني : لا يغنم المكاتب ، ويكون الأمان مستبقي في حقه ، لأنه قد يجوز أن يكون للحربي أمان على ماله دون نفسه وأمان على نفسه دون ماله ، وأمان على نفسه وماله فكذلك جاز إذا انتقض أمانه في نفسه جاز أن يكون باقيا في ماله .

فصل

وأما إذا مات سيده ، ففيه قولان حكاهما المزني :

أحدهما : وهو اختيار المزني أن وارثه يقوم مقامه في استيفاء مال الكتابة ، ولا