الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص204
فإن قيل : فهلا جاز أن يتفاضلا في الملك والمال جميعا كما يجوز في اجتماعهما على البيع أن يتفاضلا في الملك والثمن ؟ قيل : لأنه ليس لواحد منهما في البيع أن يمنع صاحبه منه ، فجاز أن يفضل عليه فيه وله منعه من الكتابة فلم يجز أن يفضل عليه فيها ، ولأن الكتابة تؤدى من الكسب الذي قد تساويا فيه ، والثمن في البيع يؤدي من غيره فافترقا .
قال الماوردي : وهذا كما قال إذا كاتب الشريكان عبدا بينهما نصفين ، فادعى المكاتب عليهما أنه أدى مال الكتابة إليهما فإن صدقاه عتق عليهما وكان ولاؤه لهما ، وإن كذباه حلفا ، وكان على كتابته ، فإن أداها وإلا عجزاه ، وعاد عبداً فإن صدقه أحدهما وكذبه الآخر عتقت حصة المصدق ، وحلف له المكذب وكان على كتابته في حصته ، وللمكذب أن يرجع على المصدق بنصف ما أقر بقبضه وهو الربع لوجوب تساويهما في الأداء والمكذب بالخيار بين أن يرجع به على المصدق بحصول حقه في يده ، وبين أن يرجع به على المكاتب ، لأنه حق تعلق بذمته ، فإن رجع به على المصدق لم يرجع به المصدق على المكاتب ، لأنه مقر أن المنكر ظلمه بأخذه . وإن رجع به على المكاتب لم يكن للمكاتب أن يرجع به على المصدق لهذه العلة ، فإذا أخذ المكذب ربع الكتابة من أحدهما بقي له على المكاتب ربعها ، لأن له النصف ، فإن أداه المكاتب عتق ، وإن عجز عنه رق ، وكان نصفه حراً مملوكاً ، ولا يقوم على الشريك المصدق وإن عتقت حصته بالتصديق نص عليه الشافعي هاهنا ، وعلل بأن العبد يبرئه من ذلك ، وفي هذا التعليل دخل ، لأن في تكميل الحرية من حقوق الله تعالى ما لا يعتبر فيه الإبراء ولا تقبل شهادة المصدق على المنكر ، وإن كان عدلا لأنه يستدفع بها ضرر استرجاع نصف ما بيده فصار متهوم الشهادة فردت .