الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص188
ولأنه قول عمر وعلي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وليس يعرف لهم مخالف ، فكان إجماعاً .
ولأنه نوع معاوضة يستحق أحدهما فيه على صاحبه حقا غير مشروط [ فوجب أن يستحق الآخر فيه حقا غير مشروط ] كالذي ذكروه من النكاح والذي يستحق السيد بغير شرط الولاء فيقتضي أن يستحق عليه مثله ، وهو الإيتاء .
وفي هذا انفصال عن قياسهم ، ولا يدخل عليه إذا باع عبده على نفسه بألف في ثبوت الولاء له بغير شرط وإن لم يستحق العبد مثله ، لأن وصف العلة أنه نوع معاوضة ، وهو العتق بالعوض ، وهذا الحكم ثابت في النوع ، وإن شذ عن بعضه ، وهذا التعليل مستمر في العقود طرداً في النكاح ، وعكسا في البيوع ، ولأن الله تعالى أوجب معونة المكاتبين على غير ساداتهم من زكوات الأموال ، فكان وجوب معونتهم على ساداتهم أولى ، ولا يجوز صرف زكاتهم إليهم ، فانصرف الوجوب إلى غير زكاتهم .
وأما الاستدلال بالخبر فلا يصح ، لأننا نقول مع وجوب الإيتاء أنه عبد ما بقي عليه درهم ، ولا نجعل الدرهم الباقي قصاصا من الإيتاء لأن القصاص إنما يكون مع تساوي الحقين في الجنس والعلم بالمقدار ، ومقدار الإيتاء مجهول ، فلم يجز أن يكون قصاصا من معلوم .
وأما قولهم : لو كان واجباً بالشرع لتقدر به ففاسد ، لأنه قد يجب بالشرع ما يتقدر بالاجتهاد كالمتعة والنفقة ، فكذلك الإيتاء . وأما قولهم : إنه يؤدي إلى جهالة في العوض ، فعنه جوابان :
أحدهما : انه ليس يتعين الإيتاء من مال الكتابة ، وللسيد أن يدفعه من أي أمواله شاء ، فلم يؤد إلى الجهالة .
والثاني : أن الجهالة في العوض تمنع صحة العقد إذا تضمنها العقد ، ولا تمنع من صحته إن طرأت بعد العقد ، كما لو ظهر المشتري على عيب وأرشه مجهول ، وهو محطوط من اصل الثمن ، ولا يوجب فساد العقد ، وإن أدى إلى جهالة الثمن ، لحدوثه بعد صحة العقد ، كذلك الإيتاء في الكتابة .
وأما قولهم : إن هذا يؤدي إلى إبطال الصفة ويغير حكمها فليس بصحيح لأن جميع المال يؤدى مع وجوب الإيتاء ، ويكون ردا أو إبراء .