الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص187
قالوا : ولأنه لو وجب بالشرع لتقدر به كالزكاة ، فدل ترك تقديره على عدم وجوبه . ولأن وجوبه يفضي إلى جهالة الباقي ، فتصير الكتابة بمجهول . والعوض المجهول تبطل به الكتابة ويمنع منه الشرع فلم يجز أن يجب في الشرع ، ولأنه وجوبه معتبر بصفة العتق ، لأنه إذا كاتبه على ألف إذا أدى آخرها فهو حر ، فإذا أسقط عنه قدر الإيتاء لم تكمل الصفة ، ولم يقع العتق .
والدليل على وجوب الإيتاء قول الله تعالى : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) [ النور : 33 ] فأمر بالإيتاء ، وظاهر الأمر محمول على الوجوب .
فإن قيل : الأمر بالإيتاء مقترن بالأمر بالكتابة ، ثم كان الأمر بالكتابة محمولا على الاستحباب دون الوجوب ، كذلك الأمر بالإيتاء يجب أن يكون محمولا على الاستحباب دون الوجوب .
قيل : قد كان ظاهر الأمر يقتضي الوجوب فيها ، لكن قام الدليل على استحباب الكتابة ، وبقي الوجوب على ظاهره في الإيتاء .
فإن قيل : فيحمل وجوب الإيتاء على ما يعطونه من سهم الرقاب في الزكاة ، لأن الله تعالى قد جعل لهم فيها سهما .
قيل : لا يصح حمل هذا الإيتاء على سهمهم في الزكاة من ثلاثة أوجه :
أحدها : انه لما كان قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) [ النور : 33 ] محمولا على شهادة العبد ، وعطف عليه بقوله : ( وآتوهم ) [ النور : 33 ] وجب أن يكون عائدا إلى ساداتهم ، ليكون إرسال الخطاب في الآخر عائدا إلى من أريد بالأول ، ولا يكون عائدا إلى غير مذكور . وإذا عاد إلى سادة العبيد ، لم يجز أن يجمل على الزكاة ، لأن السيد لا يجوز أن يدفع زكاته إلى عبده ، فلم يبق إلا أن يراد به من مال الكتابة .
والثاني : أن سهمهم في الزكاة مستفاد من آية أخرى ، فكان حمله على حكم آخر أولى .
والثالث : أن الله تعالى أمر بالإيتاء من مال أضافه إلى نفسه . ولا يضيف إلى نفسه ، وإن كان جميع الأموال له إلا لتشريف المال واستطابته ، والزكوات هي أوساخ الذنوب فكان حمله على غيرها أولى .
وروى عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب عن النبي ( ص ) في قوله تعالى : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) [ النور : 33 ] أن يحط عنه ربع الكتابة وهذا تفسير ودليل .