الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص165
فإذا قلنا : إن ذلك لا يجوز صار كما لو أداه بغير علم سيده ، فلا يحتسب به المؤدى عنه ويحتسب به للمؤدي من كتابته إن حلف عليه ، وإن كانت إلى اجلها كان بالخيار بين أن يسترجعها من سيده ، أو يعجلها عن كتابة نفسه فلو لم يسترجعها المكاتب ولا عجلها عن نفسه حتى أدى ما عليه ، فعتق ففي استحقاق استرجاعها بعد عتقه وجهان :
أحدهما : وهو الظاهر من منصوص الشافعي انه لا يستحق استرجاعها والسيد أولى بها لأنها كانت موقوفة على أدائها في كتابته فلم يكن له أن يسترجعها في حق نفسه .
والوجه الثاني : وهو الأصح عندي أن له استرجاعها ، لأنه بعد العتق أقوى ملكا ، وتصرفا فلما استحق استرجاعها في أضعف حاليه ، كان استرجاعها في أقواهما أولى وإذا قلنا : إن ذلك صحيح جائز لم يخل حاله في أداء ذلك عن صاحبه من أن يكون أداؤه عنه بإذنه أو بغير إذنه ، فإن كان قد أداه بغير إذنه لم يرجع فيه ، وكان متطوعاً ببذله كالهبات ، وإن كان قد أداه عنه بإذنه يرجع به كالقرض لم يخل حال المؤدي والمؤدى عنه من أربعة أحوال :
أحدها : أن يعجزا فيرقا فلا رجوع للمؤدي بما أدى لا على سيده ولا على المؤدى عنه ، لأنه بعوده إلى الرق قد صارت أمواله لسيده ، والسيد لا يثبت له على عبده غرم فلا يثبت لعبده عليه مال .
والحال الثانية : أن يؤديا فيعتقا فللمؤدي بعد عتقه أن يرجع على المؤدي عنه بعد عتقه بما أداه عنه إن كان موسراً ، وإن كان معسرا أنظر به إلى ميسرته .
والحال الثالثة : أن يعتق المؤدى عنه ، ويبقى المؤدي على رقه فينظر في عتق المؤدى عنه ، فإن كان بغير ما أقرضه المؤدي نفذ عتقه ، وكان المال المؤدى عنه دينا حالا للسيد عليه ، وإن كان عتقه بما أقرضه المؤدي ففيه وجهان أخرجهما أبو علي الطبري في إفصاحه احتمالا :
أحدهما : أن عتق المؤدى عنه قد نفذ ، ورق المؤدي قد استقر ويكون الأداء دينا للسيد يرجع به على المعتق اعتباراً بحكم الأداء والعجز .
والوجه الثاني : أنه لا يعتق المؤدى عنه بذلك الأداء ويحتسب به للمؤدي ، فإن كان بقدر الباقي عليه في كتابته عتق وأعيد المؤدى عنه إلى رقه ، وإن كان أقل أعيدا معا إلى الرق اعتباراً بحال الكسب .