الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص155
والثاني : مؤجل وهو الدينار .
قيل لا يلزم هذا وعنه جوابان :
أحدهما : أن الخدمة ليست حالة وإن كان ابتداؤهما من حين العقد ، لأنها منتظرة تقبض حالا بعد حال .
والثاني : أن الكتابة على الحال لم تصح ، لتعذر الأداء على المكاتب والخدمة ليس يتعذر عليه أداؤها وإن حلت فافترقا .
والضرب الثاني : أن يصل بينهما ، ولا يفصل فيجعل محل الدينار في أول الشهر الثاني ، فيصير متصلا بانقضاء الخدمة في آخر الشهر الأول ففيه لأصحابنا وجهان :
أحدهما : حكاه أبو إسحاق المروزي عن بعض المتقدمين من أصحابنا أن الكتابة باطلة ، لأن اتصال أحد النجمين بالآخر يجعلهما نجما واحداً حتى يكون بينهما زمان لا يستحق فيه مطالبة .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة أن الكتابة جائزة ، لأن النجمين ما تغاير وقت استحقاقهما واستحقاق الدينار في غير الوقت الذي يستحق فيه الخدمة فصارا نجمين ، فلذلك صحت بهما الكتابة وعلى تعليل الوجهين لو جعل محل الدينار في شهر الخدمة لم تصح الكتابة وقد قاله الشافعي نصاً .
ومن أصحابنا من ركب الباب على الوجه الأول ، وجوز فيه الكتابة وعلل في جوازها بأن ما مضى من شهر الخدمة قبل استحقاق الدينار نجم ، وما بقي منها بعد استحقاقه نجم آخر . وهذا التعليل فاسد ، لأنه لو كاتبه على خدمة شهرين لم تصح لأنها كتابة على نجم واحد وليس لقائل أن يقول أجيزها وأجعل كل شهر منها نجماً .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كاتب على دينار بعد شهر وعلى خدمة شهر بعد الشهر فهذه كتابة باطلة وليس بطلانها من جهة اتصال النجمين ولكن لأن خدمة الشهر هي معينة من جهة العبد نفسه والعقود على الأعيان بتأخير القبض لا تصح .
ألا ترى لو اشترى منه داراً على أن يتسلمها بعد شهر ، أو اكتراها بعد شهر من وقت العقد لم يجز ، لأنه عقد على عين بعد أجل ، فلذلك بطل كذلك الكتابة ، ولكن لو كاتب على دينار بعد شهر وعلى خدمة شهر مضمونة في ذمته بعد انقضاء ذلك