الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص154
قال الماوردي : أما الكناية على الأعيان الحاضرة فقد ذكرنا أنها لا تصح ، لأنها إن كانت في يده فهي لسيده ، فإن لم تكن في يده فأولى أن لا تصح في كتابته ، وإنما تصح الكتابة بما يستقر في ذمته وإذا كان كذلك فلا يخلو ما يكاتبه عليه في ذمته من أن يكون من جنس الأثمان أو من غيرها .
فإن كان من جنس الأثمان من الدراهم والدنانير جاز إذا كان لها نقد غالب أن يكاتبه عليها بالإطلاق من غير صفة ليحملا فيها على العرف في اعتبار الأغلب ، وإن لم يكن فقد غالب ، فلا تصح إلا بوصفها ، فإن أطلقت بطلت ، كالأثمان ، وإن كان من غير جنس الأثمان فإن كان ما يصح ثبوته في الذمة سلما ، صحت المكاتبة عليه ، وإن كان مما لا يصح ثبوته في الذمة سلما ، كالذي لا تضبط صفته من الجواهر لم تصح المكاتبة عليه ، ثم عليه أن يصف ذلك في عقد الكتابة كما يصفه في عقد السلم فإن أخل بصفة من صفاته بطلت الكتابة لدخول الجهالة عليه . وأسقط أبو حنيفة اعتبار الصفة ، وخالف بين الكتابة فيها والسلم ، وجوز المكاتبة على الحيوان ولم يجوز فيه السلم وهي عندنا سواء ، في استحقاق الصفة ونفي الجهالة ، لأن الغرر وإن دخل في الكتابة من وجه فالعوض فيه معتبر بالسلم والأثمان في نفي الجهالة عنه .
قال الماوردي : والكتابة تجوز على المنافع كما تجوز على الأعيان لجواز المعاوضة عليها ، ولذلك جاز الصداق بها ، فإذا جمع بينهما في الكتابة فقال : قد كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد الشهر ووصف الخدمة بما توصف به الإجارة فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يفصل بين انقضاء شهر الخدمة ، وبين محل الدينار الذي بعده ، ولو بيوم ، فيجعله مستحقا بعد انقضاء يوم من دخول الشهر الثاني ، فتصبح هذه الكتابة ، لأنها على نجمين وإن كانا من جنسين متغايرين ، وتغاير أجناس العوض في العقد لا تمنع من صحته كما لا يمنع منها تغاير أجناس المعوض .
فإن قيل : فهلا كانت هذه الكتابة فاسدة ، لأنها معقودة على نجمين :
أحدهما : حال وهو الخدمة .