پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص148

فإن قيل : يفسد من وجه آخر وهو إذا باع عبده على نفسه بألف حالة صح ، وعتق وإن تعذر عليه دفع الثمن ، قيل : قد خرج فيه ابن أبي هريرة وجهاً محتملاً : أن البيع يبطل لهذا المعنى ، فيكون الاعتراض به فاسدا .

والظاهر من مذهب الشافعي جوازه ، وقد نص عليه في كتاب الإقرار فقال : ولو قال لعبده : بعتك نفسك بألف فجحده العبد عتق عليه ، لأنه مقر بالعتق مدع للثمن .

قيل : مقصود هذا البيع العتق وقد حصل .

فإن قيل : وكذلك الكتابة مقصودها العتق فوجب أن يصح .

قيل : الفرق بينهما أن العتق في الكتابة يحصل بعد الأداء ، والعتق في البيع يحصل قبل الأداء ، فجاز أن تبطل الكتابة بتعذر الأداء وإن لم يبطل به البيع ، وفي هذا انفصال عن استدلالهم به . ولأن الأجل في الكتابة إجماع دل عليه فعل الصحابة رضي الله عنهم لأنهم كاتبوا عبيدهم مجمعين فيها على التأجيل ، ولم يعقدها أحد منهم حالة ، ولو جاز حلولها لتفرد بها بعضهم مع اختلاف الأغراض ، وغضب عثمان بن عفان رضي الله عنه على عبد له وأراد التضييق عليه . فقال : والله لأكاتبنك على نجمين فلو جازت حالة ، أو على أقل من نجمين لكان أحق بالتضييق عليه .

فأما الجواب عن قول الله تعالى : ( إن علمتم فيهم خيراً ) [ النور : 33 ] فإن الخير هو المال فهو أن الشافعي قد أبطل هذا التأويل من وجهين :

أحدهما : أن العبد لا ملك له على قول من لم يجعله مالكا ، ولا على قول من جعله مالكا ، لأن سيده أخذه منه .

والثاني : أنه لو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيراً ، لأن المال يكون له ولا يكون فيه ، وإنما الذي فيه ما تأوله الشافعي من الاكتساب والأمانة ، ثم لو صح أن المراد به المال لما دل على جواز التعجيل ، ولكان بالتأجيل أحق حتى يجد المال .

وأما قياسهم على البيع ، فالمعنى فيه وجود المقصود به في الحلول والتأجيل ، وكذلك استدلالهم بالإبراء ، لأن مقصوده لا يتعذر ، ولأن الإبراء لا يجوز تعليقه عندنا بأجل وإن دخل في الكتابة فافترقا .

واما السلم : فقد اجمعنا وهم على الفرق بين الكتابة والسلم لأنهم منعوا من حلول السلم وجوزوا حلول الكتابة ، ونحن منعنا من حلول الكتابة ، وجوزنا حلول السلم فصاراً مفترقين على قولينا معا ، فلم يجز أن يستشهد بأحدهما على الآخر . ثم معنى الفرق بينهما عندنا أن الغرر ينتفي عن تعجيل السلم فجوزناه ، ويدخل في حلول الكتابة فأبطلناه .