الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص147
قالوا : ولأنه عقد على عين فصح حالا ومؤجلاً كالبيع .
قالوا : ولأنه إسقاط حق ، لأن السيد قد أسقط بها حقه من كسب عبده فلم يفتقر إلى أجل كالإبراء .
قالوا : ولأن دخول الأجل غرر ، فإذا صح العقد معه ، لزمكم على قولكم في السلم أن تجعلوه لخلوه من الأجل أصح ، لأن الشافعي يقول فيه : إذا جاز مؤجلاً كان حالا أجوز ، لأنه من الغرر أبعد .
ودليلنا : قول الله تعالى : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ) إلى قوله : ( فيهم خيراً ) [ النور : 33 ] . فسماها كتابة وأفردها بهذا الاسم من غيرها من العقود . والعقد إذا أفرد باسم وجب أن يختص بمعنى ذلك الاسم ، كالسلم سمي سلما ، لوجوب تسليم جميع الثمن كذلك الكتابة سميت كتابة لوجوب الكتابة .
والكتابة إنما ندبنا إليها في الحقوق المؤجلة دون المعجلة ألا تراه قال تعالى : ( إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) [ البقرة : 282 ] وقال في المعجلة : ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ) [ البقرة : 282 ] فدل اختصاص هذا العقد باسم الكتابة على اختصاصه بحكم التأجيل .
وفي هذا انفصال عن الاستدلال بعموم الآية ونهى رسول الله ( ص ) عن الغرر .
والغرر : ما تردد بين جوازين أخوفهما أغلبهما والكتابة الحالة غرر لأن الأغلب من أحوال المكاتب عجزه عنها فكان عقدها باطلا ويتحرر من اعتلال هذا الخبر قياس .
فنقول : عقد معاوضة يتعذر فيه تسليم المعقود عليه وقت استحقاقه ، فوجب أن يكون باطلا كبيع العبد الآبق ، وكالسلم إلى اجل يتحقق عدمه فيه ولا يفسد بنكاح الصغيرة ، لأن تسليمها يستحق عند إمكان الاستمتاع بها . فإن قيل : هذا فاسد بالبيع على معسر يتعذر عليه تسليم الثمن ولا يوجب فساد البيع .
قيل : إعساره في الظاهر لا يوجب إعساره في الباطن ، لجواز أن يملك ما لا يعلم وإعسار المكاتب في الظاهر والباطن ، لأنه لا يجوز أن يملك قبل كتابته فافترقا في تعيين الإعسار ، فلذلك افترقا في الجواز .
فإن قيل : يفسد من وجه آخر وهو إذا كاتبه على مال كثير يؤديه في نجمين مقدرين بساعتين من يوم تتعذر منه القدرة عليه ، وتصح كتابته .
وكذلك في المعجل قيل : يمكنه قبل استحقاق النجم أن يؤجر نفسه ثلاثين سنة بقدر كتابته ، ولا يمكنه ذلك في الحال المعجل فافترقا .