الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص140
قال الماوردي : أما الكتابة فهو أن يعقد السيد مع عبده عقد معاوضة في عتقه بمال يتراضيان به إلى نجوم يتفقان عليها ، ليعتق بأدائها فيملك العبد كسب نفسه ويملك السيد به مال نجومه ، وفي تسمية هذا العقد كتابة وجهان :
أحدهما : العرف الجاري بكتابته في كتاب وثيقة ، توقع فيها الشهادة .
والثاني : لأن الكتابة في اللغة الضم والجمع ، فسمي بها هذا العقد لضم النجوم بعضها إلى بعض .
والأصل في جواز الكتابة قول الله تعالى : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) [ النور : 33 ] .
وفي قوله : ( إن علمتم فيهم خيراً ) ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن المراد بالخير القدرة على الكسب ، والاحتراف ، وهذا قول ابن عمر ، وابن عباس .
والثاني : أنه الرشد والصلاح في الدين وهذا قول الحسن وطاوس وقتادة .
والثالث : أنه الكسب والأمانة ، ليكون بالكسب قادرا على الأداء وبالأمانة موثوقا بوفائه ، وهذا قول الشافعي ومالك .
وفي قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) [ النور : 33 ] وجهان :
أحدهما : يعني من مال الزكاة في سهم الرقاب يعطاه المكاتب ليستعين به في أداء ما عليه للسيد ، ويجوز للسيد أخذه وإن كان غنياً ، ويكون هذا خطابا لأرباب الأموال ، وهذا قول الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وعبد الرحمن بن زيد .
والثاني : من مال الكتابة يضعه السيد عنه ، أو يرده عليه معونة له كما أعانه غيره من سهم الرقاب ، ويكون هذا خطابا للسيد وهذا قول الجمهور .
وحكى الكلبي أن سبب نزول هذه الآية أن عبداً لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه ، فامتنع فأنزل الله تعالى ذلك فيه .