الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص120
المرتد بعد إسلامه دليل على انه لم يزل عنه قبل إسلامه . واستدل له المزني بمعنيين :
أحدهما : انه لما لزمه في الردة نفقة أولاده ، وأروش جناياته ، وهي لا تجب على من لا يملك دل على انه مالك .
والجواب عنه أنها تجب عليه إن قيل : إنه مالك . واختلف أصحاب الشافعي في وجوبها عليه إذا قيل : إنه ليس بمالك فذهب أبو سعيد الإصطخري وطائفة إلى أنها لا تجب عليه ، فبطل الاستدلال به . وذهب جمهورهم إلى وجوبها ، وإن قيل : ليس بمالك ، لأنه زال عنه فيما لم يجب عليه ، ولم يزل فيما وجب عليه ، كالميت إذا تعدى بحفر بئر فمات فيها حيوان ، وجبت قيمته في تركته وإن زال ملكه بموته .
والمعنى الثاني : أن قال : ملكه له بإجماع قبل الردة ، فلا يزول ملكه إلا بالإجماع ، وهو أن يموت ، وهذا استصحاب حال مع تنقل الأحوال ، وانتقال الأحوال مفض إلى انتقال الأحكام فلم يجز أن يجعل دليلا على بقائها .
والقول الثالث : أن ملكه بالردة خارج منه ، كما نقله المزني في هذا الموضع فاختلف أصحابنا في مراد الشافعي بخروجه منه فقال بعضهم : أراد خروجه عن تصرفه ، ولم يرد به خروجه عن ملكه ، فلم يخرجوا في ملكه إلا قولين :
أحدهما : موقوف .
والثاني : ثابت .
وقال آخرون : أراد به خروجه عن ملكه ، وجعلوه في الملك قولا ثالثا . إن ملكه قد زال عنه بالردة ، وإن عاد إليه بالإسلام ، وبه قال أبو حنيفة ، ودليله معنيان :
أحدهما : انه لما ملك المسلمون دمه بالردة ، كان أولى أن يملكوا بها ماله ، لأن حكم المال أخف من حكم الدم .
والثاني : أنه لما أثرت الردة في زوال مناكحه اجتهاداً وجب تأثيرها في زوال ملكه حجاجاً .
أحدهما : أن تظاهره بالردة مع إفضائها إلى تلفه دليل على سفهه ، وضعف عقله ، ويكون الحجر عليه جارياً مجرى حجر السفه .
والمعنى الثاني : أن ماله يوجب الحجر مفض إلى انتقاله إلى المسلمين كإفضاء مال المريض إلى ورثته ، فاقتضى أن يوجب الحجر عليه جارياً مجرى حجر المريض