الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص104
بها التدبير بعد الموت وجاز أن لا يريد بها واحدا منهما ، فيرجع إلى إرادته فما ذكره فيها من شيء كان قوله فيه مقبولا فإن قال السيد : أردت به التدبير ، وقال العبد : بل أردت به العتق الناجز ، كان له إحلاف سيده . ولو قال السيد : لم أرد به التدبير ، وقال العبد : بل أردت به التدبير لم يكن له إحلاف سيده ، لأن التدبير ليس بلازم والعتق الناجز لازم .
وأما المختلف فيه : هل هو صريح ، أو كناية ، فهو لفظ التدبير أن يقول لعبده : أنت مدبر . فالذي نص عليه الشافعي أنه يكون صريحا لا يرجع فيه إلى إرادته ، ويعتق عليه بموته .
وقال في الكناية : إذا قال لعبده قد كاتبتك على كذا لم يكن صريحاً في عتقه بالأداء ، حتى يقول : فإذا أديت إلي آخرها فأنت حر . فاختلف أصحابنا في لفظ التدبير والكتابة ، فمنهم من جمع بينهما وخرجهما على قولين :
أحدهما : أنهما صريحان على ما نص عليه في التدبير .
والثاني : انهما كنايتان على ما نص عليه في الكتابة .
ومنهم من قال : التدبير صريح ، والكناية على قولين ، ومنهم من قال التدبير صريح ، والكتابة كناية لوقوع الفصل بينهما من وجهين :
أحدهما : أن لفظ التدبير مشهور في الخاصة والعامة ، والكناية يعرفها الخاصة دون العامة .
والثاني : أن الكناية مترددة بين صريحين من عتق ومكاتبة . والتدبير ليس له صريح سواه ، وإذا كان التدبير صريحاً ثبت حكمه في كل من تلفظ به في عبده ، سواء عرف حكمه أو لم يعرف كصريح العتق والطلاق .
فإن علق تدبيره بصفة فقال : إن دخلت الدار فأنت مدبر فليس بمدبر ما لم يدخل الدار فإذا دخلها في حياة سيده صار مدبراً ، يعتق بالموت ، ولو دخلها بعد موت سيده ، لم يعتق ، لأنه لا يصح التدبير بعد الموت ، لفوات الصفة بالموت .
فإن قال له : إذا دفعت إلي عشرة دنانير فأنت مدبر صار مدبرا بدفع جميعها ، ولو دفعها إلا يسيراً لم يصر مدبراً ، ولو قال : إذا قرأت القرآن فأنت مدبر كان تدبيره معتبراً بقراءة جميع القرآن . فلو قرأه إلا آية منه لم يصر مدبراً .
ولو قال : إذا قرأت قرآنا صار مدبراً بقراءة آية منه ، لأن دخول الألف واللام توجب استيعاب الجنس ، وحذفهما لا يوجبه ، ولو علق تدبيره بصفتين ثبت التدبير بوجودهما ، ولم يثبت بوجود أحدهما ، ولو علقه بعشر صفات لم يثبت بوجود تسع ،