الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص88
أحدهما : أن حكمها على ما شرطه في يوم عتقها .
والثاني : أنها ليوم القيامة ، لأنه قصد بها الأجر دون الولاء .
وبما روى الشعبي : أن سالماً مولى أبي حذيفة أعتقته ليلى بنت يعار زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة سائبة ، فقتل يوم اليمامة ، وخلف بنتاً ، ومولاته ليلى زوجة أبي حذيفة ، فدفع أبو بكر وعمر إلى بنته النصف ، وعرض الباقي على مولاته ، فقالت : لا أرجع في شيء من أمر سالم ، فإني جعلته سائبة لله ، فجعل أبو بكر النصف الباقي في سبيل الله .
ودليلنا قول الله تعالى : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ) [ المائدة : 103 ] فلما امتنع من حكم السائبة في البهائم التي لا يجري عليها حكم العتق كان المنع في الآدميين ممن يجري عليه حكم العتق أولى .
وقول النبي ( ص ) : ( الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ) وفيه دليلان :
أحدهما : انه اعتبره بالنسب ، والنسب لا يعتبر حكمه بالشرط ؛ كذلك الولاء .
والثاني : قوله : ( ولا يوهب ) والسائبة هبة الولاء ، ولأن موالي بريرة باعوها على عائشة رضوان الله عنها ، واشترطوا أن يكون لهم ولاؤها إذا اعتقت ، فقال النبي ( ص ) : ( ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل . كتاب الله أحق وشروطه أوثق ، والولاء لمن أعتق ) . فأثبت الولاء للمعتق وأبطل أن يكون لغيره .
وروي أن طارقاً أعتق عبيدا له سوائب ، وكانوا ستة ، وقيل عشرة فماتوا كلهم بعد موت طارق ، وخلفوا مالا ، فرفع ذلك إلى عمر فقضى به لورثة طارق ، فامتنعوا من أخذه ، فقال عمر : أرجعوه إلى قوم مثلهم ، فأبان بهذا القضاء أن الولاء ثابت في عتق السائبة . وروى قبيصة بن ذؤيب أن أصحاب السوائب شكوا إلى عمر رضي الله عنه ، وقالوا : إما أن تجعل العقل علينا ، والميراث لنا ، وإما أن لا يكون لنا ميراث ، ولا علينا عقل ، فقضى عمر لهم بالميراث . وروي مثله عن علي ، وابن مسعود ، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم ، ولأن الولاء في العتق كالرجعة في الطلاق ، فلما كان لو طلقها على أن لا رجعة له عليها وقع الطلاق ، واستحق الرجعة ، وجب مثله في عتق السائبة أن يقع العتق ، ويستحق الولاء .
فأما الجواب عن قوله ( ص ) : ( المسلمون على شروطهم ) فهو ما وصله به إلا شرطاً أحل حراما أو حرم حلالا ، وهذا منه .