الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص85
الإسلام على الكافر موجبا لثبوت ولائه عليه ، لكان طلحة والزبير من موالي أبي بكر لإسلامهما على يده ، ولكان المهاجرون والأنصار مواليا لرسول الله ( ص ) ، ولأولاده من بعده ، وهذا يخرج عن قول الأمة ، فكان مدفوعاً بهم . وقد روي سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ( ص ) : ( الولاء لمن أعطى الثمن وولي النعمة ) ، وهذا تعليل لاستحقاق الولاء ، فلم يستحق بغيره ، ولأنه لو كان الولاء بأخذ الإسلام مستحقا لوجب إذا أعتق الرجل عبدا نصرانياً ، فأسلم على يد غير معتقه أن يبطل ولاء معتقه ، وإذا أسلم العب النصراني على يد غير سيده ، ثم أعتقه السيد أن لا يكون عليه ولاء لمعتقه ، وهذا مدفوع بالإجماع ، فبطل ما اقتضاه بالإجماع .
وقد روي الأشعث بن سوار عن الحسن أن النبي ( ص ) رأى رجلا يباع ، فساوم به ثم تركه فاشتراه رجل فأعتقه ثم أتى النبي ( ص ) فقال : إني اشتريت هذا فأعتقته ، فما ترى فيه ؟ قال : ( اخوك ومولاك . قال : فما ترى في صحبته . قال : ( إن شكرك فهو خير له وشر عليك ، وإن كفرك فهو خير لك وشر له ) ، قال : فما ترى في ماله ؟ قال : ( إن مات ، ولم يدع وارثا ، فلك ماله ) ، فاعتبر ولاؤه بعتقه دون إسلامه .
وأما الجواب عما استدلوا به من الأخبار ، ففيها ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنها ضعيفة لا يثبت بها شرع ، لأن بعضها رواه مجهول ، وبعضها رواه متروك ، وبعضها مرسل .
والثاني : أنها محمولة على ولاية الإسلام الموجبة للتناصر كما قال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) [ التوبة : 71 ] .
والثالث : أننا نستعمل قوله : فهو مولاه يريد أي هو ناصره ، وقد صار باتفاقهما في الإسلام وارثا بعد أن لم يكونا باختلاف الذين متوارثين .
وقوله : أحق بمحياه ومماته : انه أحق بمراعاته في محياه ، والممات .
وأما الجواب عن استدلالهم بإنعامه عليه بالإسلام ، فهو ما ذكر الله تعالى عليه بالإسلام أن النعمة فيه له لا لغيره ، والله أعلم بالصواب .